نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 177
لا سبيل إليه ، فإن قيل : فإذا تترس الكفار بالمسلمين فلا نقطع بتسلطهم على استئصال الاسلام لو لم يقصد ، الترس ، بل يدرك ذلك بغلبة الظن ، قلنا : لا جرم ذكر العراقيون في المذهب وجهين في تلك المسألة ، وعللوا بأن ذلك مظنون . ونحن إنما نجوز ذلك عند القطع أو ظن قريب من القطع ، والظن القريب من القطع إذا صار كليا وعظم الخطر فيه ، فتحتقر الاشخاص الجزئية بالإضافة إليه ، فإن قيل إن في توقفنا عن الساعي في الأرض بالفساد ضررا كليا بتعريض أموال المسلمين ودمائهم للهلاك ، وغلب ذلك على الظن بما عرف من طبيعته وعادته المجربة طول عمره ، قلنا : لا يبعد أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى قتله إذا كان كذلك ، بل هو أولى من الترس ، فإنه لم يذنب ذنبا ، وهذا قد ظهرت منه جرائم توجب العقوبة وإن لم توجب القتل وكأنه التحق بالحيوانات الضارية لما عرف من طبيعته وسجيته ، فإن قيل : كيف يجوز المصير إلى هذا في هذه المسألة ، وفي مسألة الترس ، وقد قدمتم أن المصلحة إذا خالفت النص لم تتبع كإيجاب صوم شهرين على الملوك إذا جامعوا في نهار رمضان ، وهذا يخالف قوله تعالى : * ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) * ( النساء : 39 ) وقوله تعالى : * ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) * ( الانعام : 151 ) وأي ذنب لمسلم يتترس به كافر ، فإن زعمتم أنا نخصص العموم بصورة ليس فيها خطر كلي فلنخصص العتق بصورة يحصل بها الانزجار عن الجناية حتى يخرج عنها الملوك ، فإذا غاية الأمر في مسألة الترس أن يقطع باستئصال أهل الاسلام ، فما بالنا نقتل من لم يذنب قصدا ونجعله فداء للمسلمين ، ونخالف النص في قتل النفس التي حرم الله تعالى ؟ قلنا : لهذا نرى المسألة في محل الاجتهاد ولا يبعد المنع من ذلك ، ويتأيد بمثله السفينة ، وأنه يلزم منه قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها ترجيحا للكثرة ، إذ لا خلاف في أن كافرا لو قصد قتل عدد محصور كعشرة مثلا وتترس بمسلم ، فلا يجوز لهم قتل الترس في الدفع ، بل حكمهم كحكم عشرة أكرهوا على قتل ، أو اضطروا في مخمصة إلى أكل واحد ، وإنما نشأ هذا من الكثرة ، ومن كونه كليا ، لكن للكلي الذي لا يحصر حكم آخر أقوى من الترجيح بكثرة العدد ، وكذلك لو اشتبهت أخته بنساء بلدة حل له النكاح ، ولو اشتبهت بعشرة وعشرين لم يحل ، ولا خلاف ، أنهم لو تترسوا بنسائهم وذراريهم قاتلناهم وإن كان التحريم عاما ، لكن تخصصه بغير هذه الصورة ، فكذلك ههنا التخصيص ممكن ، وقول القائل هذا سفك دم محرم معصوم يعارضه أن في الكف عنه إهلاك دماء معصومة لا حصر لها ، ونحن نعلم أن الشرع يؤثر الكلي على الجزئي ، فإن حفظ أهل الاسلام عن اصطلام الكفار أهم في مقصود الشرع من حفظ دم مسلم واحد ، فهذا مقطوع به من مقصود الشرع ، والمقطوع به لا يحتاج إلى شهادة أصل ، فإن قيل : فتوظيف الخراج من المصالح ، فهل إليه سبيل أم لا ؟ قلنا : لا سبيل إليه مع كثرة الأموال في أيدي الجنود ، أما إذا خلت الأيدي من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر ، ولو تفرق العسكر واشتغلوا بالكسب لخيف دخول الكفار بلاد الاسلام ، أو خيف ثوران الفتنة من أهل العرامة في بلاد الاسلام ، فيجوز للامام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ، ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي فلا حرج ، لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 177