نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 176
المسلمين فيقتلونهم ثم يقتلون الأسارى أيضا ، فيجوز أن يقول قائل : هذا الأسير مقتول بكل حال ، فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع ، لأنا نعلم قطعا أن مقصود الشرع تقليل القتل ، كما يقصد حسم سبيله عند الامكان ، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل ، وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصود الشرع ، لا بدليل واحد وأصل معين ، بل بأدلة خارجة عن الحصر ، لكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين ، فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين ، وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف أنها ضرورة قطعية كلية ، وليس في معناها ، ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم ، إذ لا يحل رمي الترس إذ لا ضرورة ، فينا غنية عن القلعة ، فنعدل عنها إذ لم نقطع بظفرنا بها ، لأنها ليست قطعية ، بل ظنية ، وليس في معناها جماعة في سفينة لو طرحوا واحدا منهم لنجوا وإلا غرقوا بجملتهم ، لأنها ليست كلية ، إذ يحصل بها هلاك عدد محصور ، وليس ذلك كاستئصال كافة المسلمين ، ولأنه ليس يتعين واحد للاغراق ، إلا أن يتعين بالقرعة ، ولا أصل لها ، وكذلك جماعة في مخمصة لو أكلوا واحدا بالقرعة لنجوا ، فلا رخصة فيه لان المصلحة ليست كلية ، وليس في معناها قطع اليد للاكلة حفظا للروح ، فإنه تنقدح الرخصة فيه ، لأنه إضرار به لمصلحته ، وقد شهد الشرع للاضرار بشخص في قصد صلاحه ، كالفصد والحجامة وغيرهما ، وكذا قطع المضطر قطعة من فخذه إلى أن يجد الطعام ، فهو كقطع اليد ، لكن ربما يكون القطع سببا ظاهرا في الهلاك ، فيمنع منه لأنه ليس فيه يقين الخلاص ، فلا تكون المصحلة قطعية ، فإن قيل : فالضرب بالتهمة للاستنطاق بالسرقة مصلحة فهل تقولون بها ؟ قلنا : قد قال بها مالك رحمه الله ، ولا نقول به ، لا لابطال النظر إلى جنس المصلحة لكن ، لأن هذه مصلحة تعارضها أخرى ، وهي مصلحة المضروب ، فإنه ربما يكون بريئا من الذنب ، وترك الضرب في مذنب أهون من ضرب برئ ، فإن كان فيه فتح باب يعسر معه انتزاع الأموال ، ففي الضرب فتح باب إلى تعذيب البرئ ، فإن قيل : فالزنديق المتستر إذا تاب فالمصلحة في قتله وأن لا تقبل توبته وقد قال صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فماذا ترون ؟ قلنا : هذه المسألة في محل الاجتهاد ، ولا يبعد قتله ، إذ وجب بالزندقة قتله ، وإنما كلمة الشهادة تسقط القتل في اليهود والنصارى ، لانهم يعتقدون ترك دينهم بالنطق بكلمة الشهادة ، والزنديق يرى التقية عين الزندقة ، فهذا لو قضينا به فحاصله استعمال مصلحة في تخصيص عموم ، وذلك لا ينكره أحد ، فإن قيل : رب ساع في الأرض بالفساد بالدعوة إلى البدعة أو بإغراء الظلمة بأموال الناس وحرمهم وسفك دمائهم بإثارة الفتنة والمصلحة قتله لكف شره ، فما ذا ترون فيه ؟ قلنا : إذا لم يقتحم جريمة موجبة لسفك الدم فلا يسفك دمه ، إذ في تخليد الحبس عليه كفاية شره ، فلا حاجة إلى القتل ، فلا تكون هذه المصلحة ضرورية ، فإن قيل : إذا كان الزمان زمان فتنة ولم يقدر على تخليد الحبس فيه مع تبدل الولايات على قرب ، فليس في إبقائه وحبسه إلا إيغار صدره وتحريك داعيته ، ليزداد في الفساد والاغراء جدا عند الافلات ، قلنا : هذا الآن رجم بالظن ، وحكم بالوهم ، فربما لا يفلت ولا تتبدل الولاية والقتل بتوهم المصلحة
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 176