نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 160
المجتهد المطلع على مدارك الأدلة القادر على الاستقصاء ، كالذي يقدر على التردد في بيته لطلب متاع إذا فتش وبالغ ، أمكنه أن يقطع بنفي المتاع ، أو يدعي غلبة الظن ، أما الأعمى الذي لا يعرف البيت ولا يبصر ما فيه فليس له أن يدعي نفي المتاع من البيت ، فإن قيل : وهل للاستصحاب معنى سوى ما ذكرتموه ؟ قلنا : يطلق الاستصحاب على أربعة أوجه يصح ثلاثة منها : الأول : ما ذكرناه . والثاني : استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص واستصحاب النص إلى أن يرد نسخ ، أما العموم فهو دليل عند القائلين به ، وأما النص فهو دليل على دوام الحكم بشرط أن لا يرد نسخ ، كما دل العقل على البراءة الأصلية ، بشرط أن لا يرد سمع مغير . الثالث : استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه ، كالملك عند جريان العقد المملك وكشغل الذمة عند جريان إتلاف أو التزام ، فإن هذا وإن لم يكن حكما أصليا فهو حكم شرعي دل الشرع على ثبوته ودوامه جميعا ولولا دلالة الشرع على دوامه إلى حصول براءة الذمة لما جاز استصحابه ، فالاستصحاب ليس بحجة إلا فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه بشرط عدم المغير ، كما دل على البراءة العقل وعلى الشغل السمعي وعلى الملك الشرعي ، ومن هذا القبيل الحكم بتكرر اللزوم والوجوب إذا تكررت أسبابها ، كتكرر شهر رمضان وأوقات الصلوات ، ونفقات الأقارب عند تكرر الحاجات ، إذا أفهم انتصاب هذه المعاني أسبابا لهذه الأحكام من أدلة الشرع إما بمجرد العموم عند القائلين به أو بالعموم وجملة من القرائن عند الجميع ، وتلك القرائن تكريرات وتأكيدات وإمارات عرف حملة الشريعة قصد الشارع إلى نصبها أسبابا ، إذا لم يمنع مانع ، فلولا دلالة الدليل على كونها أسبابا لم يجز استصحابها ، فإذن الاستصحاب عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي ، وليس راجعا إلى عدم العلم بالدليل ، بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير أو مع ظن انتفاء المغير عند بذل الجهد في البحث والطلب . الرابع : استصحاب الاجماع في محل الخلاف وهو غير صحيح ولنرسم فيه وفي افتقار النافي إلى دليل مسألتين : - مسألة ( استصحاب الاجماع ) لا حجة في استصحاب الاجماع في محل الخلاف خلافا لبعض الفقهاء ، ومثاله المتيمم إذا رأى الماء في خلال الصلاة مضى في الصلاة ، لان الاجماع منعقد على صحة صلاته ودوامها فطريان وجود الماء ، كطريان هبوب الريح ، وطلوع الفجر ، وسائر الحوادث ، فنحن نستصحب دوام الصلاة إلى أن يدل دليل على كون رؤية الماء قاطعا للصلاة ، وهذا فاسد ، لان هذا المستصحب لا يخلو إما أن يقر بأنه لم يقم دليلا في المسألة لكن قال : أنا ناف ولا دليل على النافي ، وأما أن يظن أنه أقام دليلا ، فإن أقر بأنه لم يدل فسنبين وجوب الدليل على النافي ، وإن ظن أنه أقام دليلا فقد أخطأ ، فإنا نقول : إنما يستدام الحكم الذي دل الدليل على دوامه ، فالدليل على دوام الصلاة ههنا لفظ الشارع أو إجماع ، فإن كان لفظا فلا بد من بيان لذلك اللفظ ، فلعله يدل على دوامها عند العدم لا عند الوجود فإن دل بعمومه على دوامها عند العدم والوجود جميعا ، كان ذلك تمسكا بعموم عند القائلين به فيجب إظهار دليل التخصيص ، وإن كان ذلك بإجماع ، فالاجماع منعقد على دوام الصلاة عند العدم ، أما حال الوجود فهو مختلف فيه ، ولا إجماع مع الخلاف ، ولو كان الاجماع شاملا
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 160