الأول ، إن من المعلوم ، إن في العلم الاجمالي جهة انكشاف متعلقه بصورة إجمالية حاكية عن الواقع ، وجهة سترة ، متعلقة بالأطراف الخارجية ، من حيث طرفيتها للمعلوم الواقعي ، وكل واحدة من تلك الجهتين متباينة عن الأخرى ، وإن كانتا متحدتين خارجا ، ولا سراية منهما إلى الأخرى أبدا ، وظرف عروضهما الذهن ، واتحادهما الخارجي لا يوجب السراية ، بحيث يكون مورد الانكشاف هو مورد الستار بعينه ، وحينئذ فيقع الكلام في أن تعلق العلم بالصورة الاجمالية ، كتعلقه بالتفصيلية الحاكية عن جميع خصوصيات مورده في تنجيز المتعلق ، أو ليس كذلك ، بل جهة الاجمال مانعة عن التنجيز ؟ وعلى الأول ، هل هو مقتضي وقابل لمنع المانع ، أو علة تامة ليست قابلة له ؟ وعلى فرض العلية ، هل هي بالنسبة إلى المخالفة القطعية والموافقة كذلك ، أو بالنسبة إلى خصوص المخالفة فقط ؟ . الثاني ، لا ريب في إطلاق حكم العقل ، واستقلاله بوجوب الامتثال ، حتى في مورد العلم الاجمالي ، وصريح الوجدان يكفي في كونه منجزا كالتفصيلي ، وإن ما هو المناط في تنجيز التفصيلي ، موجود في مورد العلم الاجمالي ، من غير فرق ، نعم لو كان لخصوصية الأوامر دخل في الامتثال ، لكان بينهما فرق ، ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد ، وبالجملة ، بعد إحراز طبيعة مراد المولى ، يحكم العقل بلزوم الامتثال ، إلا إذا ثبت من الخارج ، دخل في خصوصية الأطراف ، في تحقق الامتثال . الثالث ، بعد ما عرفت إن مناط حكم العقل بلزوم الامتثال في مورد العلم الاجمالي ، هو إحراز طبيعة أمر المولى ، بلا دخل لخصوصية فيه ، فلا ريب إن هذا الحكم تنجيزي من العقل ، غير قابل للترخيص على الخلاف ، كما هو الحال في المعلومات التفصيلية ، فيكون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ، إذ لا معنى للعلية التامة ، إلا منجزية حكم العقل ، وعدم صحة ورود الترخيص على الخلاف ، إن قيل تنجز حكم العقل ، إنما هو بالنسبة إلى ما تعلق به العلم الاجمالي ، وهو نفس طبيعة مراد المولى ، فكما إنه لا يسري نفس العلم إلى خصوصيات الأطراف ، فكذا لا يسرى منجزية حكم العقل بالنسبة إليها أيضا ، فالعلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية فقط ، دون الموافقة القطعية ، قلنا : لا ريب إن تنجز الاحكام ، إنما هو باعتبار وجودها الواقعي ، لا باعتبار صورها