المقصد الثاني في الطرق الظنية لا ريب في أن الطرق الغير العلمية ، ليست الحجية ذاتية لها ، بل بالنسبة إليها لا اقتضاء ، كما لا ريب في إمكان جعل الاستطراق بها إلى الاحكام الواقعية ، بمعنى عدم استلزام ذلك الجعل بمحال ينشأ منه ، وهذا هو المعبر عنه بالامكان الوقوعي ، وأما بالامكان الذاتي ، الذي هو عبارة عن تساوى نسبة جعل الحجية وعدمها بالنسبة إلى ذات الطرق الغير العلمية ، فالظاهر بل المقطوع عدم كونه محلا للخلاف ، بل تسالم الكل على ذلك ، والمخالف إنما خالف في الامكان الوقوعي ، بزعم أن جعل الاستطراق للطريق الغير العلمي ، يوجب تحليل الحرام ، أو بالعكس ، أو موجب لاجتماع الضدين ، الذي أطبق العقلاء على استحالة تحققه ، ثم إن أصحابنا اتفقوا على جواز الجعل للطرق الغير العلمية ، وعدم لزوم محذور من ذلك ، لكنهم ردوا زعم ابن قبة بأقوال مختلفة ، فمن قائل ، بأنه لا معنى لجعل الطريق إلا تتميم كشفه الناقص ، المستتبع عقلا لوجوب الموافقة ، فلا حكم إلا للعقل ، ولا حكم للشرع في موارد الطرق ، حتى يلزم تحليل الحرام ، أو العكس ، ومن قائل ، بأنه لا معنى للجعل إلا جعل الحجية ، التي هي من الأحكام الوضعية ، فلا تكليف غير الواقع في البين ، حتى يلزم المحذور ، ويرد عليهما ، إنهما لا يفيان برد الشبهة من جميع الجهات ، لان من تقريرات الشبهة ، أن الجعل مطلقا يستلزم تفويت الواقع على المكلف ، وهو قبيح على الحكيم تعالى عن ذلك ، مع أن الحجية عبارة عن المنشائية لاستحقاق العقوبة ، ومثل هذا المعنى غير قابل للجعل بلا توسيط شئ وابتداء كما لا يخفى ، ومن قائل بأن الاحكام الواقعية ليست فعلية ، بل هي انشائية محضة ، ولا فعلية لها إلا في موارد الطرق والامارات بلا تصويب ، لمكان الواقع الانشائي المشترك فيه الكل ، وهذا المقدار يكفي في رفع محذور التصويب ، ولا اجتماع للضدين ، لمكان اختلاف المرتبة ، ولا تفويت للمصلحة ، وعلى فرض الامكان ، فمجبور بما هو أهم ، ولكن يرد عليه أنه خلاف ظواهر أدلة الاحكام ، حيث أنها ظاهرة عرفا في أن مفاهيمها نفس الاحكام الواقعية ، وهي بنفس أدلتها تصير