بمرور الأيام فيضيع الحق أو يخفى ويلتبس على كثير من العامة ، كما حصل . ونتيجة لهذا الادراك تجمع لديهم - في أقل من ثلاثة قرون - ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب حفظت بأسمائها وأسماء مؤلفيها . وقد اشتهرت من بينها مجموعة من الكتب عرفت باسم ( الأصول الأربعمائة " وهي أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من أصحاب الإمامين الباقر محمد بن علي ( ت / 114 ه ) والصادق جعفر بن محمد ( ت / 148 ه ) عليهما السلام ، ومن أصحاب سائر الأئمة عليهم السلام على رأي البعض . وقد تميزت هذه الأصول الأربعمائة عن سائر مؤلفات الشيعة في القرون الثلاثة الأولى من عمر الاسلام بمميزات كثيرة لعل من أهمها حصول الاجماع على اعتبارها حاكية لكلام المعصوم ، ما اشتمل على نص كلامه عليه السلام سماعا بلا واسطة في النقل والتدوين . ولما كانت مؤلفات الشيعة ليست كلها بمثابة الأصول الأربعمائة في قوة الحجية ، لهذا قام اللاحقون من أقطاب علماء الشيعة - بعد انتهاء ذلك العصر الزاهر بحياة الأئمة عليهم السلام - بإعمال دورهم في التسابق إلى دراسة هذا التراث الضخم والنظر فيه وتدقيقه وتحقيقه بحسب ما لديهم من القرائن الكثيرة ، فاجتهدوا في الوصول إلى الحق ما استطاعوا إليه سبيلا ، وكان فيهم من هو في مرتبة عالية من مراتب النظر والتحقيق ، وعلى درجة راقية من التعمق والتدقيق . وقد كان لعملهم هذا أثره الملموس ، إذ تركوا لغيرهم كتبا كثيرة ، مادتها : الأصول الأربعمائة ، وغيرها من الكتب الأخرى التي بلغت من الاعتبار عند هؤلاء الاعلام درجة من الوثوق بها ما يوجب الركون إليها واعتمادها .