يا نفس : مرض القلوب من أشد الأمراض ، وعلاجه من أصح الأغراض ، فيا من مرض فؤاده ، ومل عواده ، وتراجع الطبيب في الحمى ، وأين الطبيب من الأجل المسمى ، وأي حكيم لم تصرعه المنون ، ثم لم ينفعه القانون ؟ وأي طبيب لم تفده الغب [1] ، ثم لم ينفعه الطب ؟ فعلام ترفعي إلى الحكيم شأنك ، وتدلعي لسانك ، فتنهي سرك إلى الطبيب ، وتشتكي إلى العدو من الحبيب ؟ والله لا ينعشك إلا من صرعك ، كما لا يحصدك إلا من زرعك ، إن كنت وصفت له علة لم يشفها ، وإن عرضت عليه كربة لم يقدر على كشفها . يا نفس : إياك أن تكوني ممن إذا ذكر بالآخرة قبع قبوع [2] الوسنان في جيب الكسل ، وإن ظفر بالحلوة الخضرة وقع وقوع الذباب على ظرف العسل ، وهذه علامات المنافقين لهم في المعاصي وثبات ، وفي الطاعات سكون وثبات ، وفي الطمع حركات قمرية ، وفي الورع سكنات زحلية ، إذا قلت : حي على الشهوات طاروا إليها خفافا وثقالا ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى .
[1] قال الخليل في العين 4 : 35 غب : ويقال : ما يغبهم لطفي ولهذا العطر مغبة طيبة أي : عافية . [2] في ب : قبع قبوعا : إذا أدخل رأسه في قميصه .