وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء ، برأهم الخوف فهم أمثال القداح [1] ، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، أو قد خولطوا ، قد خالط القوم أمر عظيم . إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة ، فزع ذلك قلوبهم وطاشت له حلومهم وذهلت عنهم عقولهم واقشعرت منها جلودهم . وإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزكية ، لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل . علامات المؤمن الظاهرية فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون . إن زكي أحدهم خاف مما يقولون وقال : ( أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي من غيري . اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ، فإنك علام الغيوب وساتر العيوب ) . ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصا على علم ، وفهما في فقه ، وعلما في حلم ، وشفقة في نفقة ، وكيسا في رفق ، وقصدا في غنى ، وخشوعا في عبادة ، وتحملا في فاقة ، وصبرا في شدة ، ورحمة للمجهود [2] ، وإعطاء في حق ، ورفقا في كسب ، وطيبا في الحلال ، ونشاطا في الهدى ، وتحرجا عن الطمع ، وبرا في استقامة ، واعتصاما عند شهوة . علامات المؤمن الباطنية لا يغره ثناء من جهله ولا يدع إحصاء عمله ، مستبطأ لنفسه في العمل ، يعمل الأعمال الصالحة .
[1] . برأهم الخوف كالقداح أي جعلهم الخوف كالسهام ، والقداح هو السهم قبل أن ينصل ويراش . [2] . المجهود : الطاقة والاستطاعة .