لما ذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت ؟ قال الأشعث بن قيس الكندي : فهلا فعلت كما فعل ابن عفان ؟ فقال علي عليه السلام : يا عرف النار [1] ، أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت ؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول ، يا بن قيس ، والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده ، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي ؟ والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره . فكن أنت ذلك يا بن قيس فأما أنا فدون - والله - أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء . ويلك يا بن قيس ، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه ، فمن قدر على حقن دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه . ويلك يا بن قيس ، إن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار . وشرها وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون : ( لا قتال ) ، وكذبوا . قد أمر الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة . لما ذا لم يقم أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة فقال الأشعث بن قيس - وغضب من قوله - : فما يمنعك يا بن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما ، أن تقاتل وتضرب بسيفك ؟ وأنت لم تخطبنا خطبة - منذ كنت قدمت العراق - إلا وقد قلت فيها قبل
[1] . خطاب إلى الأشعث بن قيس . روي في البحار : ج 41 ص 306 أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يسمي أشعثا ( عنق النار ) فسئل عن ذلك فقال : إن الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته ، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء . فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور .