كيف تعرف أبان على سليم ؟ لما قدم الحجاج العراق [1] سأل عن سليم بن قيس ، فهرب منه فوقع إلينا بالنوبندجان [2] متواريا ، فنزل معنا في الدار . فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا ولا أطول حزنا منه ، ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه . وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة ، وقد قرأت القرآن ، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر . فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة [3] ابن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله ، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب . ثم استكتمنيها ولم يأخذ علي فيها يمينا . قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه فلم ألبث أن حضرته الوفاة ، فدعاني وخلا بي وقال : يا أبان ، إني قد جاورتك فلم أر منك إلا ما أحب . وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي ، فيها أحاديث لا أحب أن تظهر للناس ، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها . وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر ، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم . وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه جميعا ، فتبعتهم عليه ، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق . وإني هممت
[1] . قدم الحجاج العراق حاكما عليها من قبل عبد الملك بن مروان في سنة 75 الهجرية . [2] . كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور ، قريبة من شعب بوان الموصوف بالحسن والنزاهة ، وقد تدعى نوبنجان . ذكرها في معجم البلدان : ج 5 ص 302 ، ونزهة القلوب : المقالة الثالثة ، ص 128 وآثار العجم : ص 90 و 304 . وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي إيران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى ( نوبندكان ) . [3] . عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الإمام السجاد عليه السلام كما سيجيئ .