قال الراهب : فإنه والله ما بني هذا الدير الا من ذلك الماء ، وأنا في هذه الصومعة منذ كذا سنة ما علمت بهذا الماء ، وانها عين يقال لها : عين راحوما [1] ، ما أخرجها الا نبي أو وصي نبي ، ولقد شرب منها سبعون نبيا وسبعون وصيا . قال : فرجع الناس إلى علي عليه السلام فخبروه بذلك ، فسكت ولم يقل شيئا . ثم سار حتى نزل بمدينة هيت ، ورحل منها حتى نزل بموضع يقال له : الأنظار [2] ، فبنى هنالك مسجدا ، والمسجد ثابت إلى يومنا هذا . قال : ثم إنه عبر الفرات ، وشق البلاد حتى خرج إلى بلاد الجزيرة ، ثم سار يريد الرقة حتى نزل بموضع يقال له الشليح [3] ، فنزل هناك على شاطئ نهر الشليح . قال : ونظر إليه راهب كان هناك في صومعة ، فنزل من الصومعة ، وأقبل إلى علي ، فأسلم على يده ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ان عندنا كتابا قد توارثناه عن آبائنا ، يذكرون أن عيسى بن مريم كتبه فأعرضه عليك ، فقال علي عليه السلام : نعم فهاته . قال : فرجع الراهب إلى موضعه ، وأقبل بكتاب عتيق قد كاد أن يدرس ، فأخذه علي عليه السلام وقبله ، ثم دفعه إلى الراهب ، فقال : أقرأه علي ، فقرأه الراهب على علي عليه السلام فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، انه باعث في الأميين رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الرشاد ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب [4] في الأسواق ، ولا يجزئ بالسيئة سيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال ، في هبوط الأرض وصعود الجبال ، ألسنتهم مذللة بالتسبيح والتقديس والتكبير والتهليل ، ينصر الله
[1] في ( ن ) : راحوقا . [2] في ( ق ) : الأنطار ، وفي التاريخ : الأقطار . [3] في التاريخ : البليخ . [4] الصخب : محركة شدة الصوت . القاموس .