ثم أقول : وممن قال بالتفضيل من بني أمية معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان . قال أبو البقاء الشافعي في كتاب حياة الحيوان : بويع له - يعني : معاوية بن يزيد - بالخلافة يوم موت أبيه ، فأقام فيها أربعين يوما ، وقيل : أقام فيها خمسة أشهر وأياما وخلع نفسه . وذكر غير واحد أن معاوية بن يزيد ، لما خلع نفسه صعد المنبر ، فجلس طويلا ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء ، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وآله بأحسن ما يذكر به . ثم قال : أيها الناس ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم ، ما أكرهه منكم ، واني أعلم أنكم تكرهونا أيضا ، لأنا بلينا بكم وبليتم بنا ، الا أن جدي معاوية نازع هذا الأمر من كان بهذا أولى منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعظيم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدرا ، وأشجعهم قلبا ، وأكثرهم علما ، وأولهم ايمانا ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصهره وأخوه ، زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته ، وجعله لها بعلا باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له ، أبو سبطيه سيدا شباب أهل الجنة وأفضلا هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، وابنا فاطمة البتول عليها السلام ، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم منه مالا تجهلون ، حتى انتظمت لجدي الأمور . فلما جاء القدر المحتوم ، واخترمته أيدي المنون ، بقي مرتهنا بعمله ، فريدا في قبره ، ووجد ما قدمت يداه ، ورآى ما ارتكبه واعتداه ، ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي ، فتقلد أمركم لهواء كان أبوه فيه ، لقد كان أبي يزيد بسوء فعله واسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أمة محمد صلى الله عليه وآله ، فركب هواء واستحسن خطأه ، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله تعالى ، وبغيه على من استحل حرمته من