أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يكن غيره يحفظه ، ثم هو أول من جمعه ، نقلوا كلهم أنه تأخر عن بيعة أبي بكر ، فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخر مخالفة للبيعة ، بل يقولون : تشاغل بجمع القرآن ، فهذا يدل على أنه أول من جمع القرآن ، لأنه لو كان مجموعا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته . وإذا رجعت إلى كتب القراءة وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء ، وعاصم بن أبي النجود وغيرهما ، لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه أخذ القرآن ، فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي إليه أيضا ، مثل كثير مما سبق . وأما الرأي والتدبير ، فكان من أسد الناس رأيا ، وأصحهم تدبيرا ، وهو الذي أشار على عمر لما عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار ، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث . وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه ، وقد قال عليه السلام : لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب . وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء كان مطابقا للشرع أم لم يكن . ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ، ولا يقف على ضوابط وقيود ، يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب ، ومن كان بخلاف ذلك يكون أحواله الدنيائية [1] إلى الانتثار أقرب .