الكرابيس [1] الغليظ ، فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه ، فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له ، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح ، فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض ، فان ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ، ولا يأكل اللحم الا قليلا ويقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان . وكان مع ذلك أشد الناس قوة ، وأعظمهم يدا ، لم ينقص الجوع قوته ، ولا يجور الاقلال منته ، وهو الذي طلق الدنيا ، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام الا من الشام ، فكان يفرقها ويمزقها ، ثم يقول : هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه وأما العبادة ، فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد ، وقيام النافلة ، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا ، فلا يرتاع لذلك ، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده . وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله ، وما يتضمنه من الخضوع لهيبته ، والخشوع لعزته ، والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت ، وعلى أي لسان جرت . وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام وكان الغاية من العبادة : أين عبادتك من عبادة جدك ؟ قال : عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله . وأما قراءة القرآن والاشتغال به ، فهو المنظور إليه في هذا الباب ، اتفق الكل على