ألباب وآراء صحيحة ، فلم يبق عند أحد شك في أمورهم ، ولا ارتياب بفعلهم ، وثبتت العقائد على ولايتهم وتنزيههم ، وتصويب أفعالهم ، ونسوا لذة الرئاسة ، وان أصحاب الهمم العالية لا يلتفتون إلى المأكل والمشرب والمنكح ، وإنما يريدون الرئاسة والحكم ونفوذ الأمر ، كما قال الشاعر : وقد رغبت عن لذة المال أنفس وما رغبت عن لذة النهي والأمر قال : والفرق بين الرجلين وبين الثالث ، ما أصيب به الثالث ، وقتل تلك القتلة ، وخلعه الناس وحصروه وضيقوا عليه ، بعد أن توالي انكارهم أفعاله ، وجبهوه في وجهه وفسقوه ، وذلك لأنه استأثر هو وأهله بالأموال ، وانغمسوا فيها واستبدوا بها ، فكانت طريقته وطريقتهم مخالفة لطريق الأولين ، فلم تصبر العرب على ذلك . ولو كان عثمان سلك طريق عمر في الزهد ، وجمع الناس ، وردع الامراء والولاة عن الأموال ، وتجنب استعمال أهل بيته ، ووفر أعراض الدنيا وملاذها وشهواتها على الناس ، زاهدا فيها ، تاركا لها ، معرضا عنها ، لما ضره شئ قط ، ولا أنكر عليه أحد قط ، ولو حول الصلاة من الكعبة إلى بيت المقدس ، بل لو أسقط عن الناس إحدى الصلوات الخمس ، واقتنع منهم بأربع ، وذلك لأن همم الناس مصروفة إلى الدنيا والأموال ، فإذا وجدوها سكتوا ، وإذا فقدوها هاجوا واضطربوا . ألست ترى رسول الله صلى الله عليه وآله كيف قسم غنائم هوازن على المنافقين ، وعلى أعدائه الذين يتمنون قتله وموته ، وزوال دولته ، فلما أعطاهم أحبوه إما كلهم أو أكثرهم ، ومن لم يحبه منهم بقلبه جامله وداراه ، وكف عن اظهار عداوته ، والاجلاب عليه . ولو أن عليا عليه السلام صانع أصحابه بالمال وأعطاه الوجوه والرؤساء ، لكان أمره إلى الانتظام والاطراد أقرب ، ولكنه رفض جانب التدبر الدنيوي ، وآثر لزوم الدين ، وتمسك بأحكام الشريعة ، والملك أمر آخر غير الدين ، فاضطرب عليه أصحابه ، وهرب كثير منهم إلى عدوه .