وقالوا : لو نصبنا عليا لارتد الناس عن الاسلام ، وعادت الجاهلية كما كانت ، فأيما أصلح في الدين ؟ الوقوف على النص المفضي على ارتداد الناس ورجوعهم إلى الأصنام والجاهلية ، أم العمل بمقتضى الأصلح واستبقاء الاسلام ، واستدامة العمل بالدين ، وإن كان فيه مخالفة النص . قال : وسكت الناس عن الانكار ، لأنهم كانوا خرقا [1] ، فمنهم من هو مبغض شانئ لعلي عليه السلام ، فالذي تم من صرف الأمر عنه هو قرة عينه وبرد فؤاده ، ومنهم ذو الدين وصحة اليقين ، الا أنه لما رأى كبراء الصحابة قد اتفقوا على صرف الأمر عنه ، ظن أنهم إنما فعلوا ذلك لنص سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله ينسخ ما كان قد سمعه من النص على أمير المؤمنين عليه السلام ، لا سيما ما رواه أبو بكر منن قول النبي صلى الله عليه وآله ( الأئمة من قريش ) فان كثيرا من الناس توهموا أنه ناسخ للنص الخاص ، وأن معنى الخبر أنكم مباحون في نصب امام من قريش من أي بطون قريش كان ، فإنه يكون إماما . ومنهم فرقة أخرى - وهم الأكثرون - أعراب وجفاة وطغام ، وأتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، فهؤلاء مقلدون لا يسألون ولا ينكرون ولا يبحثون ، وهم مع أمرائهم ولا يتهمونهم ، ولو أسقطوا عنهم الصلاة الواجبة لتركوها ، فلذلك أمحق النص ، وخفي ودرس ، وقويت كلمة العاقدين لبيعة أبي بكر ، وقواها زيادة على ذلك اشتغال علي وبني هاشم برسول الله صلى الله عليه وآله واغلاقهم بابهم عليهم ، وتخليتهم الناس يعملون ما شاؤوا وأحبوا ، ولكنهم أرادوا استدراك ذلك بعد ما فات ، وهيهات الفائت لا رجعة له . وأراد علي عليه السلام بعد ذلك نقض البيعة بعد وقوعها ، فلم يتم له ذلك ، وكانت العرب لا ترى الغدر ، ولا تنقض البيعة ، صوابا كان أو خطا ، وقالوا : لكنا قد بايعنا ، فكيف السبيل إلى نقض البيعة بعد وقوعها .