استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحابا لشريعة جديدة . قال النقيب : وأكثر ما كانوا يعملون بآرائهم فيما يجري مجرى الولايات والتأمير والتدبير ، وتقرير قواعد الدولة ، وما كانوا يقفون مع نصوص الرسول صلى الله عليه وآله وتدبيراته إذا رأوا المصلحة في خلافها . ثم نقل عن النقيب كلاما في بيان رغبة الناس عن علي عليه السلام ، إلى قوله : فأصفق الكل اصفاقا واحدا على صرف الأمر عنه لغيره ، واحتج رؤساؤهم وقالوا : خفنا الفتنة ، وعلمنا أن العرب لا تطيعه وتتركه ، وتأولوا عند أنفسهم النص ولا ينكر النص ، وقالوا : انه النص ، ولكن الحاضر يرى مالا يرى الغائب ، والنصوص قد تترك لأجل المصلحة الكلية ، وأعانهم على ذلك مسارعة الأنصار وادعاؤهم الأمر ، واخراجهم سعد بن عبادة من بيته وهو مريض لينصبوه خليفة فيما زعموا ، واختلط الناس ، وكثر الخبط ، وكادت الفتنة أن يضطرم نارها ، فوثب رؤساء المهاجرين فبايعوا أبا بكر وكانت فلتة ، كما قال قائلهم . وزعموا أنهم أطفؤا بها نائرة الأنصار ، فمن سكت من المسلمين وأغضى ولم يتعرض ، فقد كفاهم أمر نفسه ، ومن قال سرا أو جهرا : ان فلانا قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذكره ، أو نص عليه ، أو أشار إليه ، أسكتوه في الجواب بأنا بادرنا إلى عقد البيعة مخافة الفتنة ، واعتذروا عنده : إما بأنه حديث السن ، أو تبغضه العرب ، لأنه وترها وسفك دماءها ، أو لأنه صاحب زهو وتيه ، أو كيف تجتمع النبوة والخلافة في مغرس واحد ؟ بل قالوا في العذر ما هو أقوى من هذا وآكد ، قالوا : أبو بكر أقوى على هذا الأمر منه ، لا سيما وعمر يعضده ويساعده ، والعرب تحب أبا بكر ويعجبها لينه ورفقه ، وهو شيخ مجرب الأمور ، لا يحسده أحد ، ولا يحقد عليه أحد ، ولا يبغضه أحد ، وليس بذي شرف في النسب ، فيشمخ على الناس بشرفه ، ولا بذي قربى من الرسول صلى الله عليه وآله فيدل بقربه .