بعد نزول قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك الآية ، ونداؤه بالاجتماع ، وقيامه خطيبا ، وتقديمه قول ( ألست أولى بكم ؟ ) و ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ) و ( ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة ؟ ) وهذه قرينة واضحة على أن المراد بالمولى الأولى والسيد المطاع ، دون سائر معانيه . ومن القرائن الواضحة أيضا ما أنشده حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وآله في ذلك اليوم بعد استئذانه ، فقام والنبي صلى الله عليه وآله وجماعة المسلمين يسمعون ، فأورد ما أنشده ، وقد تقدم أشعاره ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك . ومما يدل أيضا على ما ذكرناه ، ما تقدم من أن نزول قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الآية ، كان في ذلك اليوم ، ولا ريب أن اكمال الدين وتمام النعمة لا يتحقق الا بأن يكون المراد بالمولى أحد المعنيين الأولين . ومما يدل أيضا على ما ذكرناه ، ما تقدم من أن من صام يوم الغدير ، كتب الله له صيام ستين شهرا . ومما يدل أيضا ، ما رواه مسلم عن طارق بن شهاب ، قال : قالت اليهود لعمر : لو علينا نزلت هذه الآية اليوم أكملت لكم دينكم ونعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذناه عيدا [1] . ووجه الدلالة ظاهر . ومنها : أن عليا لما كان خليفة رابعا ، أمكن تنزيل النصوص والأوامر على ذلك ، وهذا لا يحتاج إلى بيان طائل ، بل هو بالاعراض عنه حقيق ، لأنه خلاف مفاد النصوص ، وكيف يجوز أن ينسب إلى أفضل الأنبياء وأكمل العقلاء أن ينص على الخلافة لعلي عليه السلام على سبيل الاطلاق ويريد به الخلافة في وقت خاص وهو زمان قتل ثالث الثلاثة ؟ هذا أمر لا يخفى بطلانه ، الا على من أعمى حب الدنيا قلبه .
[1] صحيح مسلم 4 : 2312 - 2313 برقم : 3017 كتاب التفسير .