صحيح أن الإسلام في أيام الخليفتين كان مهيمنا ، والفتوحات متصلة والحياة متدفقة بمعاني الخير ، وجميع نواحيها مزدهرة بالانبعاث الروحي الشامل ، واللون القرآني المشع ، ولكن هل يمكن أن نقبل أن التفسير الوحيد لهذا وجود الصديق أو الفاروق على كرسي الحكم ؟ [1] والجواب المفصل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع ، ولكنا نعلم أن المسلمين في أيام الخليفتين كانوا في أوج تحمسهم لدينهم ، والاستبسال في سبيل عقيدتهم ، حتى إن التاريخ سجل لنا ( إن شخصا أجاب عمر حينما صعد يوما على المنبر وسأل الناس : لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين ؟ - إذن كنا نستتيبك فإن تبت قبلناك ، فقال عمر : وإن لم ؟ - قال نضرب عنقك الذي فيه عيناك . فقال عمر : الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا ) [2] . ونعلم أيضا أن رجالات الحزب المعارض - وأعني به أصحاب علي - كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة ، وكان أي زلل وانحراف مشوه للون الحكم حينذاك كفيلا بأن يقلبوا الدنيا رأسا على عقب ، كما قلبوها على عثمان - يوم اشترى قصرا ، ويوم ولى أقاربه ، ويوم عدل عن السيرة النبوية المثلى [3] - مع أن الناس في أيام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة [4] في الدين
[1] طرح مثل هذا الافتراض يعد منطقيا ومتسقا مع المنهج العلمي في صدد تقديم تفسير دقيق للمرحلة التاريخية . [2] القضية مشهورة في سيرة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . [3] راجع : تاريخ الطبري 2 : 651 ، فقد نقل المحاورة بين الخليفة عثمان والوفود التي قدمت من مصر وغيرها للتفاوض معه ، وفيها تصريح بهذه الأمور . [4] المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين ، المجلد الرابع : 268 - دار الكتاب اللبناني - بيروت .