النبوة والحكمة . ( الثانية ) ما قدمه النبي تمهيدا لدعائه من قوله : وإني خفت الموالي من روائي ، حيث أن خوفه إنما كان سبب الاشفاق على معالم الدين ، والرغبة في بقائها باستمرار النبوة ، لأن هذا هو اللائق بمقام الأنبياء دون الحرص على الأموال ، والخوف من وصولها إلى بعض الورثة . واعترض أصحابنا على النقطة الأولى ، بأن زكريا عليه السلام لم يسأل ربه أن يرث ولده أموال آل يعقوب جميعا ، وإنما أراد أن يرث منها ، فلا يكون دليلا على التفسير المزعوم . وأما النقطة الثانية فهي من القرائن على التفسير الذي اخترناه ، لأن الخوف على ا لدين والعلم من أبناء العم لا معنى له ، لأن اللطف الإلهي لا يترك الناس سدى بلا حجة بالغة . فمعالم الدين ، وكلمة السماء محفوظة بالرعاية الإلهية ، والنبوة مخوصة أبدا بالأقلين من نوابغ البشر لا يخشى عليها من السطو والنهب . وإذ ن فماذا كان يحسب زكريا ربه صانعا 83 لو لم يمن عليه بيحيى ؟ أكان يحتمل أن يكلف برسالته مواليه ؟ أعني بني عمومته مع عدم كفاءتهم للقيام بواجب الرسالة الإلهية وعدم جدارتهم بهذا الشرف ؟ ! أو كان يرى أن الله تعالى يهمل أمر خلقه ليكون لهم الحجة عليه ؟ ليس هذا ولا ذاك مما يجوزه نبي ، وإنما خاف زكريا من بني أعمامه على أمواله فطلب من الله ولدا رضيا يرثها . ولا جناح عليه في ذلك ، إذ يحتمل أن تكون رغبته في صرف أمواله عن بني عمومته بسبب أنها لو آلت إليهم لوضعوها في غير مواضعها ، وأنفقوها في المعاصي وألوان الفساد لما كان يلوح عليهم من علامات الشر وإمارات السوء حتى قيل أنهم شرار