وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول من قال : لا نبايع إلا عليا [1] مناقضة كتلك المناقضة ، لأن المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة أن مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص ، فليس إلى التراجع عن هذا الرأي في يوم إعلانه من سبيل . وأما اعتراف المهاجرين بالأمر فلا حرج فيه لأن الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة وإنما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ، ولذا نرى الحباب بن المنذر [2] يحاول بث الحماسة في نفوسهم والاستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام وهو يوضح أنهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها إلا بعضهم . وإذن فقد كان الأمام يقدر أنه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص والاستبسال في هذا الإنكار إذا جاهر بها ولا يقف إلى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه ، لأن الناس بين من قادهم الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات ، وبين من يرى أن فكرة النص تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع . وإذا سجلت الجماعة الحاكمة وأنصارها إنكارا للنص واكتفى الباقون بالسكوت في الأقل فمعنى هذا أن النص يفقد قيمته الواقعية وتضيع بذلك مستمسكات الإمامة العلوية كلها ويؤمن ا لعالم الإسلامي الذي كان بعيدا عن مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إنكار المنكرين لأنه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان .
[1] تاريخ الطبري 2 : 233 . [2] المصدر نفسه 2 : 243 .