نام کتاب : عدة الداعي ونجاح الساعي نویسنده : ابن فهد الحلي جلد : 1 صفحه : 212
بل وجود الناس وعدمهم واحد عنده بالنسبة إلى مقدار العمل وكيفيته ، وانه يكره بعقله اطلاعهم عليه ، لكنه مع ذلك غير خال عن ميل الطبع إليه ، وحبه له وسروره به الا انه كاره لحبه وميله ، ومبغض له بعقله وزار في ذلك على نفسه ، فهل يكون بذ لك في زمرة المرائين ؟ فالجواب ان الله سبحانه لم يكلف العبد الا ما يطيق ، وليس في طاقة العبد منع الشيطان عن نزعاته ، ولا قمع الطبع عن مقتضياته حتى لا يميل إلى الشهوات أصلا ، ولا ينازع إليها البتة فان ذلك غير مقدور للانسان ، ولهذا بشر النبي صلى الله عليه وآله بالعفو عنها حذرا من القنوط ، ودفعا للحرج وتقريبا إلى الله تعالى وطمعا في رحمته الواسعة حيث يقول صلى الله عليه وآله : عفى الله لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تنطق به أو تعمل به [1] لان حركة اللسان والجوارح مقدوران بخلاف خطرات الأوهام ووساوس القلب ، وهذا أمر بين يجده كل عاقل ، نعم يجب مقابلة هذه الخطرات بأضدادها ومقابلة شهواتها بكراهتها ، وينشأ ذلك من معرفة العواقب وعلم الدين ورادع العقل ، فإذا فعل ذلك فهو الغاية في أداء ما كلف به لان الخواطر المهيجة للرياء من الشيطان ، والميل بعد ذلك من خواطر النفس الامارة ، والكراهة من الايمان ورادع القلب .
[1] قال بعض المحققين في بيان ما يؤاخذ العبد به من الوساوس وما يعفى عنه : اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردت فيه آيات واخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينهما فالحق في هذه المسألة عندنا انه لا يتوقف عليه ما لم يقع الإحاطة بتفصيل اعمال القلوب من مبدء ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول : أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلا صورة امرأة . الثاني هيجان الرغبة وهو حركة الشهوة التي في الطبع وهذا يتولد في الخاطر الأول ونسميه ميل الطبع ، والأول يسمى حديث النفس ، والثالث حكم القلب بان هذا ينبغي ان يفعل فان الطبع إذا مال لم تنبعث المهمة والنية ما لم تندفع الصوارف ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبع الخاطر والميل . الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا ، وهيهنا أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة : الخاطر وهو حديث النفس ، ثم الميل ، ثم الاعتقاد ثم الهم فيقول اما الخاطر فلا نؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار وكذلك الميل والهيجان لأنهما أيضا لا يدخلان تحت الاختيار وهما المراد ان بقوله ( ص ) : عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها ، واما الثالث وهو الاعتقاد وحكم القلب فهذا مرددين أن يكون اضطرارا أو اختيارا والأحوال تختلف فيه . فالاختياري منه يؤاخذ به ، والاضطراري لا يؤاخذ به والرابع وهو الهم بالفعل الا انه ان لم يفعل نظر فان تركه خوفا من الله تعالى كتبت له حسنة لان همه سيئة وامتناعه ومجاهدته نفسه حسنة ، وان تعوق الفعل لعائق أو تركه لعذر لا خوفا من الله تعالى لكتبت عليه سيئة لان همه فعل اختياري للقلب ، هذا ما لخصناه من الكلام ومن أراد مزيد الاطلاع يرجع باب الوسوة من ( مرآة ) .
نام کتاب : عدة الداعي ونجاح الساعي نویسنده : ابن فهد الحلي جلد : 1 صفحه : 212