نام کتاب : سنن النبي ( ص ) ( مع ملحقات ) نویسنده : السيد الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 80
إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون " [1] ينفي ( عليه السلام ) عن نفسه ما نسبوا إليه من إتيان الآية ليعجزوه به ، وينسبه إلى ربه ويبالغ في الأدب بقوله : " إن شاء " ثم بقوله : " وما أنتم بمعجزين " أي لله ، ولذلك نسبه إليه تعالى بلفظ " الله " دون لفظ " ربي " لأن الله هو الذي ينتهي إليه كل جمال وجلال ، ولم يكتف بنفي القدرة على إتيان الآية عن نفسه وإثباته حتى ثناه بنفي نفع نصحه لهم إن لم يرد الله أن ينتفعوا به ، فأكمل بذلك نفي القدرة عن نفسه وإثباته لربه ، وعلل ذلك بقوله : " هو ربكم وإليه ترجعون " . فهذه محاورة غاصة بالأدب الجميل في جنب الله سبحانه حاور بها نوح ( عليه السلام ) الطغاة من قومه محاجا لهم ، وهو أول نبي من الأنبياء ( عليهم السلام ) فتح باب الاحتجاج في الدعوة إلى التوحيد ، وانتهض على الوثنية على ما يذكره القرآن الشريف . وهذا أوسع هذه الأبواب مسرحا لنظر الباحث في أدب الأنبياء ( عليهم السلام ) يعثر على لطائف من سيرتهم المملوءة أدبا وكمالا ، فإن جميع أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم مبنية على أساس المراقبة والحضور العبودي ، وإن كانت صورتها صورة عمل من غاب عن ربه وغاب عنه ربه سبحانه ، قال تعالى : " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون " [2] . وقد حكى الله تعالى في كلامه محاورات كثيرة عن هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويوسف وسليمان وعيسى ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) وغيرهم من الأنبياء ( عليهم السلام ) في حالات لهم مختلفة كالشدة والرخاء والحرب والسلم والإعلان والإسرار والتبشير والإنذار وغير ذلك . تدبر في قوله تعالى : " فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي " [3] يذكر موسى ( عليه السلام ) إذ رجع إلى قومه وقد امتلأ غيظا