فَصْلٌ في كيفيّة سماع الحديث وتحمّله والذي استقرّ عليه البحثُ بين الخاصّة والعامّة من ذلك ثمانيةُ طُرُق : الأوّل : سماعُ لفظ الشيخ من حِفظه أو كتاب وهو " الإملاء " وهو أرفع الأقسام عند الجماهير ؛ لأنّ الشيخَ أعرفُ بوجوه تأدية الحديث ، ولأنّه خليفةُ النبيّ ، والأخذ منه كالأخذ منه ، والنبيّ قد أسمعَ الناسَ ، ولأنّ السامعَ أوعى قلباً ، وتَوَزُّعُ الفكر إلى القارئَ أسرعُ . ولا خلافَ أنّه يجوز للسامع حينئذ أن يقول : " حَدَّثَنا " و " أَخْبَرنا " و " أَنْبَأَنا " و " نَبَّأَنا " و " سمعتُهُ يقولُ " و " قالَ لنا " و " ذَكَرَ لنا " . هذا في الصدر الأوّل ، ثمّ شاعَ تخصيص " أَخْبَرَنا " بالقراءة على الشيخ ، و " أَنْبَأَنا " و " نَبَّأَنا " بالإجازة . وقال بعضهم : " حَدَّثَنا " و " أَخْبَرَنا " أرفعُ من " سمعتُ " ؛ إذْ ليس في " سمعتُ " دلالةٌ على أنّ الشيخَ رَوَّاهُ إيّاه ( 1 ) . وأمّا " قالَ لنا " و " ذَكَرَ لنا " فك " حَدَّثَنا " ، غير أنّه لائقٌ بسماع المُذاكرة ، وهو به أشبهُ ، وأوضعُ العبارات " قالَ " و " ذَكَرَ " من غير " لي " أو " لنا " ؛ لأنّه أعمُّ من كونه سمعه منه بواسطة أو وسائط ، لكنّهُ محمولٌ على السماع منه إذا تَحَقَّقَ لقاؤُه .
1 . حكاه عن الخطيب البغدادي في مقدّمة ابن الصلاح : 98 ؛ وتدريب الراوي 2 : 8 .