كثيراً ؛ ولأنّ الفرقَ قد شاع بين أهل الحديث وإن لم يكن بينَهما فرقٌ من جهة اللغة ، ومَنْ فرّق بينهما لغةً فقد تكلّف عَناء . ( و ) القولُ بالفرقِ ( هو الأظهرُ ) في الأقوالِ ، والأشهرُ في الاستعمال . ( وإذا قال ) الراوي ( له ) أي للمرويّ عنه : ( " أخبرك فلان " ) بكذا ، وهو ساكتٌ مُصْغ إليه ، فاهِمٌ لذلك ( فلم يُنْكر ) ذلك ، ( صحَّ ) الإخبار والتحديث عنه ( وإن لم يتكلّم ) بما يقتضي الإقرارَ به ( على قول ) الأكثر ؛ لدلالة القرائن المتضافِرة على أنّه مُقِرٌّ به ، ولأنّ عدالتَه تمنع من السكوت عن إنكار ما يُنْسَب إليه بغير صحّة . وشَرَطَ بعضُهم نُطقَه ( 1 ) ؛ ليتحقّق التحديث والإخبار ، ولأنّ السكوت أعمّ من الإقرار ، ولهذا يقال : " لا يُنْسَبُ إلى الساكت مذهبٌ " . فعلى الأوّل يجوز للراوي أن يقول كالأوّل : " حدّثنا " و " أخبرنا " تنزيلا لسكوته - مع قيام القرائن على إقراره - منزلةَ إخباره . ( وقيل : ) إنّما ( يقولُ : " قُرئ عليه " ) وهو يَسْمع ، ونحوه ، و ( لا ) يجوز أن يقول : ( " حدّثني " ) ؛ لأنّه كذب . وحينئذ ، فله أن يعملَ به ويرويه كذلك ( 2 ) . ( وما سمعه ) الراوي من الشيخِ ( وحدَه ، أو شكّ ) هل سَمِعَه وحدَه أو مع غيره ، ( قال ) عند روايته لغيره : ( " حدّثني " ) و " أخبرني " بصيغة المتكلّم وحدَه ؛ ليكون مُطابقاً للواقع مع تحقّق الوحدة ، ولأنّه المتيقَّنُ مع الشكّ ؛ لأصالة عدم سماع غيره معه . ( و ) ما سمعه ( مع غيره ) يقول : ( " حدّثنا " ) و " أخبرنا " بصيغة الجمع ؛ للمُطابقة أيضاً . وقيل : إنّه يقول مع الشكّ : " حدّثنا " لا " حدّثني " ؛ لأنّه أكملُ مرتبةً من " حدّثنا " ( 3 ) ؛
1 . حكاه عن بعض الشافعيّة - كسليم وأبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ - وبعض الظاهريّة : الطيّبي في الخلاصة في أُصول الحديث : 103 ؛ وانظر فتح المغيث للسخاوي 2 : 184 - 186 . 2 . حكاه عن ابن الصباغ : الطيّبي في الخلاصة في أُصول الحديث 103 ؛ ونسبه إلى الغزالي والآمدي السخاوي في فتح المغيث 2 : 186 . 3 . قال ابن الصلاح في مقدّمته : 102 : " فإن شكّ في شئ عنده أنّه من قبيل " حدّثنا " أو أخبرنا " أو من قبيل حدّثني " أو أخبرني " لتردّده في أنّه كان عند التحمّل والسماع وحده أو مع غيره ، فيحتمل أن تقول ، ليقل : حدّثني " أو أخبرني " ؛ لأنّ عدم غيره هو الأصل . ولكن ذكر عليّ بن عبد الله المديني الإمام عن شيخه يحيى بن سعيد القطّان الإمام - في ما إذا شكّ أنّ الشيخ قال : حدّثني فلان " أو قال : حدّثنا فلان " - أنّه يقول : حدّثنا " . وهذا يقتضي في ما إذا شكّ في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول : حدّثنا " . وهو عندي يتوجّه بأنّ حدّثني " أكمل مرتبةً ، وحدّثنا " أنقص مرتبةً ، فليقتصر إذا شكّ على الناقص ؛ لأنّ عدم الزائد هو الأصل . وهذا لطيف " . وانظر الخلاصة في أُصول الحديث : 103 ؛ وفتح المغيث للسخاوي 2 : 190 - 191 .