الثاني : القراءةُ على الشيخ ويسمّيها أكثرُ المحدّثين : " عَرْضاً " ؛ لأنّ القارئ يعرضه على الشيخ ، سواءٌ أقَرأتَ أم قرأَ غيرُك وأنتَ تسمعُ ، من كتاب أو حفظ ، سواءٌ أحَفِظَ الشيخُ أم لا ، إذا أمسكَ أصلَه هو أو ثقةٌ ذو بصيرة . وهي روايةٌ صحيحةٌ بلا خلاف ، نعم اختلفوا في مساواتها السماعَ من لفظ الشيخ : فبعضُهم رجّحها لأنّ الشيخَ يكون أوعى للسماع ، كما تقدّم في توجيه ترجيح السماع ، وبعضُهم رجّحه لما تقدّم ، وبعضُهم ساوى بينهما ؛ لتحقّق القراءة في الحالين ، وسماع الآخر ، وقيام سماع الشيخ مقام قراءته في مراعاة الضبط ، وورد به حديث عن ابن عبّاس أنّ النبيّ قال : " قراءتك على العالم وقراءةُ العالم عليك سواءٌ " . والأحوط في الرواية بها " قرأتُ على فلان - أو : قُرِئَ عليه وأنا أسمعُ - فأقرَّ به " ، ثمّ " حَدَّثَنا " و " أَخْبَرَنا " مقيّداً بقوله : " قراءةً عليه " أو مطلقاً على قول بعض ؛ لأنّ إقراره قائمٌ مقام التحديث . وهو جيّدٌ . ومنعَ جماعةٌ فيها " سمعتُ " ، ومنعتْ أُخرى " حدَّثَنا " ، ولا بأسَ بالمنعين . نعم ، يجوزُ " أَخْبَرَنا " عند الجماهير والمتأخّرين . ومتى كان الأصلُ بيد غير موثوق به لم يصحّ السماعُ إنْ لم يحفظه الشيخُ . وإذا قرأَ على الشيخ قائلا : " أخبرك فلانٌ " أو نحوه والشيخُ مُصْغ فاهمٌ غيرُ منكر ، صحَّ السماعُ وجازت الروايةُ . ولا يشترطُ نطقُ الشيخ على الأصحّ عند الجمهور . وقال بعضُهم : ليس له أن يقول : " حَدَّثَني " ؛ لأنّه كذبٌ ، وله أن يعملَ به وأن يرويه قائلا : " قُرِئَ عليه وهو يَسْمعُ " ( 1 ) . والحقُّ الأوّلُ ، وأنّه يجوز " أَخْبَرَنا " ؛ لأنّ القراءةَ عليه والسكوتَ في معرض النقل
1 . حكاه عن أبي نصر بن الصبّاغ من الشافعيّين في مقدّمة ابن الصلاح : 102 ؛ والمنهل الروي : 82 ؛ وتدريب الراوي 2 : 20 .