فقال النبيُّ : " تتكلّمين أو أتكلّمُ ؟ " . فقالت : تكلّمْ ، ولا تقولنّ إلاّ حقّاً ( 1 ) . وأيمُ الله ! لو خاطَبَ المثلُ لمثله بذلك لَعُدَّ مُسيئاً للأدب ، بل هذا يدلُّ على أنّها تعتقدُ أنّ النبيَّ قد يقولُ غيرَ الحقّ . وروى البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال : قام النبيُّ خطيباً فأشارَ نحو مسكن عائشة وقال : " الفتنة هُنا - ثلاثاً - حيثُ يطلعُ قَرْنُ الشيطان " ( 2 ) . وروى فيه أيضاً قال : خرجَ النبيُّ من بيت عائشة ، وقال : " رأسُ الكفر من هاهنا حيثُ يطلعُ قرنُ الشيطان " ( 3 ) . فصلٌ وهذا الذي نقلناه من الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة عندهم من مدائح الفريقين ومذامّهما قليلٌ من كثير ، ونزرٌ حقيرٌ من جمٍّ غفير ، يعلمُ صدق ذلك مَنْ طالعَ صحاحهم وصحاحَنا وكتبَ المناقب والمثالب والسير والأخبار ، لنا ولهم . وحيثُ إنّهم نقلوه في صحاحهم وغيرها لم يكن لهم سبيلٌ إلى إنكاره ؛ ولهذا تمحّلُوا للجواب عنه بما يصغُرُ عن النقل ، ويحكم بفساده مَنْ له أدنى عقل . وهو في الحقيقة يفيدُ العلم بعدالة الفرقة الأُولى وصُلوحهم لأخذ معالم الدين عنهم ، ويفيدُ العلم بفسق الفرقة الثانية أو كفرها ؛ لأنّه من قبيل التواتُر معنىً ، خصوصاً ومَنْ ذكرناهم هم أفضلُ الصحابة عندهم فما ظنُّك بالمفضول ؟ ! سلَّمْنا أنّه لا يفيدُ العلم فهو يفيدُ الظنَّ الغالبَ ، قطعاً ، فكيفَ يعدلُ عنه إلى الوهْم بغير دليل ؟ ! سلّمْنا أنّ جميع ما نقلوه فيهما كذب ، فكيفَ نصنعُ بالكتاب العزيز ؟ !
1 . إحياء علوم الدين 2 : 49 ، وعنه في الصراط المستقيم 3 : 166 . 2 و 3 . صحيح البخاري 4 : 46 و 93 و 5 : 122 و 8 : 95 وصحيح مسلم 8 : 180 والمسند لأحمد بن حنبل 2 : 18 و 72 و 111 . ح 4679 و 5659 و 5905 . طبع بيت الأفكار الدوليّة .