( وهي ) أي المكاتبة بهذه الصفة ( في الصحّة والقوّة كالمناولة المقرونة بها ) أي بالإجازة . ( و ) الثاني : أن تقعَ ( مجرّدةً عنها ) . وقد اختلف المحدّثون والأُصوليّون في جواز الرواية بها ، فمنعها قومٌ ( 1 ) ؛ من حيث إنّ الكتابة لا تقتضي الإجازة ؛ لما تقدّم من أنّها إخبار أو إذنٌ وكلاهما لفظيٌّ ، ولأنّ الخطوطَ تشتبه فلا يجوز الاعتماد عليها . ( والأشهر ) بينهم ( جوازُ الرواية بها ؛ لتضمّنها الإجازة معنىً ) وإن لم تقترن بها لفظاً ؛ لأنّ الكتابة للشخص المعيّن وإرساله إليه أو تسليمه إيّاه قرينةٌ قويّةٌ وإشارة واضحةٌ تُشعر بالإجازة للمكتوب ، وقد تقدّم أنّ الإخبار لا ينحصر في اللفظ ، ( كما يُكتفى في الفتوى ) الشرعيّة ( بالكتابة ) من المفتي ، مع أنّ الأمر في الفتوى أخطرُ والاحتياط فيها أقوى . ( نعم ، يُعتبر معرفةُ الخطّ ) أي خطّ الكتابِ للحديثِ ( بحيث يأمنُ ) المكتوبُ إليه ( التزويرَ . وشرطَ بعضُهم البيّنة ) على الخطّ ( 2 ) ، ولم يكتفِ بالعلم بكونه خطَّه ؛ حذراً من المشابهة ؛ إذ العلمُ في مثل ذلك عاديٌّ لا عقليٌّ . والأوّل أصحّ وإن كانَ هذا أحوطَ . ثمّ على تقدير حُجيّة المكاتبة فهي أنزلُ من السَماع ، حتّى يرجّح ما رُوي بالسَماع على ما رُوي بها مع تساويهما في الصحّةِ وغيرِها من المرجِّحات ، وإلاّ فقد تُرجَّح المكاتبةُ بوجوه أُخَرَ . وقد وقع في مثل ذلك مناظرةٌ بين الشافعي وإسحاقَ بن راهوَيْه في جلود الميتة إذا دُبغتْ ؛ هل تطهرُ أم لا ؟ يُناسب ذكرها هاهنا لفوائد كثيرة :
1 . حكاه في تدريب الراوي 2 : 55 عن قوم ، منهم القاضي أبو الحسن الماوردي والآمدي وابن القطّان ؛ وفتح المغيث للسخاوي 3 : 7 . 2 . كالغزالي في المستصفى في علم الأُصول : 131 ؛ وحكاه عنه السخاوي في فتح المغيث 3 : 10 .