( فالثاني ) وهو الكذب . وبذلك ظهر وجه الحصر . ولا يرد على الأوّل مثل قول من قال : " محمّد ومُسيلمة صادقان " ؛ فإنّه صادق من إحدى الجهتين ، وكاذب من أُخرى ؛ لأنّا إن جعلناه خبراً واحداً فهو كاذب ، وإن جعلناه خبرين - كما هو الظاهر - فهو صادق في أحدهما ، كاذب في الآخر . ونبّه بقوله : " في الأصحّ " على خلاف الجاحظ ؛ حيث أثبت فيه واسطةً بينهما ، وشَرَط في صدق الخبر مع مطابقته للواقع : اعتقادَ المخبرِ أنّه مطابق ، وفي كذبه مع عدم مطابقته له : اعتقادَ أنّه غير مطابق ، وما خرج عنهما فليس بصدق ولا كذب . وتحرير كلامه : أنّ الخبر إمّا مطابق للواقع أو لا ، وكلّ منهما إمّا مع اعتقاد أنّه مطابق ، أو اعتقاد أنّه غير مطابق ، أو بدون الاعتقاد ؛ فهذه ستّة أقسام : واحد منها صادق ، وهو المطابق للواقع مع اعتقاد أنّه مطابق . وواحد كاذب ، وهو غير المطابق مع اعتقاد أنّه غير مطابق . والأربعة الباقية - وهي المطابقة مع اعتقاد اللا مطابقة ، أو بدون الاعتقاد ، وعدم المطابقة مع اعتقادها ، أو بدون الاعتقاد - ليست بصدق ولا كذب . فكلٌّ من الصدق والكذب بتفسيره أخصّ منه بتفسير الجمهور . واستند الجاحظ في قوله إلى قوله تعالى : ( أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِى جِنَّةٌ ) ( 1 ) حيث حصر الكفّارُ إخبار النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الافتراءِ والإخبارِ حالَ الجِنّة ، على سبيل منع الخلوّ . ولا شُبهة في أنّ المراد بالثاني غير الكذب ؛ لأنّهم جعلوه قسيمه ، وهو يقتضي أن يكون غيرَه وغيرَ الصدق أيضاً ؛ لأنّهم لا يعتقدون صدقه ( صلى الله عليه وآله ) . ولمّا كانوا من أهل اللسان ، عارفين باللغة ، وقد أثبتوا الواسطة ؛ لزم أن يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب ليكون هذا منه بزعمهم ، وإن كان صادقاً في نفس الأمر . وأُجيب : بأنّ الواسطة التي أثبتوها إنّما هي بين افتراء الكذب والصدق ، وهو غير مطلق الكذب ؛ لأنّه تعمّد الكذب ؛ وحيث لا عمد للمجنون كان خبره قسيماً للافتراء