عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس : خيارهم أفضلهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة . قال : فسألته عن مجلسه ، فقال : كان عليه السلام لا يجلس فلا يقوم إلا على ذكر [1] ، ولا يوطن الأماكن [2] ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه صابره [3] حتى يكون هو المنصرف عنه ، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها [4] أو بميسور من القول . قد وسع الناس منه خلقه ، وصار لهم أبا [5] وصاروا عنده في الحق سواء . مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم [6] " ولا تنثى فلتأته " [7] ، ولا يسئ جلسائه ، متعادلون متواصون بالتقوى [8] ، متواضعين يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب . فقلت : كيف كان سيرته في جلسائه ؟ فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب : ليس بفظ [9] ولا غليظ ولا صخاب [10] ولا فحاش ولا
[1] في المصادر : ذكر الله جل اسمه . [2] لا يوطن الأماكن ، أي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به . [3] في العيون : جالسه أو نادمه لحاجة صابرة . [4] في العيون والمكارم : حاجة لم يرده إلا بها . [5] في العيون : فصار لهم أبا رحيما . [6] ولا تؤبن فيه الحرم : قال الجزري : أي لا يذكرن بقبيح ، كان يصان مجلسه عن رفث القول . [7] ولا تنثى فلتأته : قال الجزري : أي لا تذاع ، والفلتات جمع فلتة وهي الزلة . [8] في البحار : متعادلين متواصلين فيه بالتقوى ، وفي بعض رواياتهم : يتواصون فيه بالتقوى . [9] الفظ : سئ الخلق . [10] الصخاب ( بفتح الصاد المهملة والخاء المشددة ) : شديد الصياح .