فتفرقوا ، فامتد الحجر ، وطال ، حتى كبس القوم جميعا غير أبي سفيان ، فإنه أفلت وهو يضحك ويقول : يا محمد ، لو أحييت لي الموتى ، وسيرت الجبال ، وأطاعك كل شئ لعصيتك وحدي ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله كلامه فقال له : ويلك يا أبا سفيان ، والله لتؤمنن بي ، ولتطيعني مكرها مغلوبا ، إذا فتح الله مكة . فقال أبو سفيان : أما وقد أخبرت يا محمد بفتح مكة وإيماني بك وطاعتي إياك قهرا لا يكون ، ففتح الله على رسول الله صلى الله عليه وآله مكة ، وأسر أبو سفيان ، فآمن مكرها وأطاع صاغرا . فقال أبو عبد الله صلوات الله عليه : والله لقد دخل أبو سفيان بعد فتح مكة على رسول الله وهو في مسجده على منبره ، في يوم جمعة بالمدينة ، فنظر أبو سفيان إلى أكابر ربيعة ، ومضر ، واليمن ، وساداتهم في المسجد ، يزاحم بعضهم بعضا ، فوقف أبو سفيان متحيرا ، وقال في نفسه : يا محمد قدرت أن هذه الجماجم تذل لك حتى تعلو أعوادك هذه وتقول ما تقول ، فقطع النبي صلوات الله عليه وآله خطبته وقال له : على رغم أنفك يا أبا سفيان ، فجلس أبو سفيان خجلا ثم قال في نفسه : يا محمد : إن أمكنني الله منك لأملأن يثرب خيلا ورجلا ولأعفين آثارك . فقطع النبي صلى الله عليه وآله خطبته ثم قال : يا أبا سفيان أما في حياتي فلا ، وأما بعدي يتقدمك من هو أشقى منك ، ثم يكون منك ومن أهل بيتك ما يكون ، تقول في نفسك ما تقول ، إلا أنك لا تطفئ نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم ذلك لكم ويسلبنكم الله إياه ، وليخلدنكم في النار ، وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها ، فمن أجل ذلك قال الله : ( والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم ) [1] إلى تمام الآية ، والشجرة هم بنو أمية وهم أهل النار [2] .
[1] الاسراء : 60 . [2] الهداية لأبي محمد الحسين بن حمدان الحضيني : 5 مخطوط في مكتبة آية الله المرعشي ( ره ) بقم المقدسة .