منتصر بذاته ، فالكون كله شاهد عليه ، وحتى خصومه * ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) * [1] . وكم هو جميل قول الشاعر : فيا عجبا كيف يعصى الإله * أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد وأما النبوة ، فقد تسالم عليها أهل الديانات قاطبة ، فهي مصدرهم وموردهم وشرعتهم ومنهلهم ، ولكن لم يصف لهم الأمر على هذه الحال ، فقد نازعتهم طوائف من سكان الأرض جحدت النبوة ولم تعتقد ضرورتها ، ثم إن أهل الأديان تنازعوا فيما بينهم ، واختلفوا ، فمنهم من توقف على نبي وأنكر غيره ، ومنهم من تعداه إلى الذي بعده ثم توقف ، ومنهم من آمن بصحة نبوة جميع الأنبياء ، وأنها ختمت بالخاتم المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، فكان لزاما إذن أن تقام الأدلة والبراهين على إثباتها لتكون راسخة في النفوس رسوخا تطمئن له القلوب بعد إذعان العقول . ومن تلك الدلالات ما تكفل به المولى ( جل جلاله ) ، باعث الأنبياء وناصرهم ، وخالق العباد وهاديهم ، ومنها ما هو من تكليف العباد أنفسهم في الفكر وإعمال النظر ، ولعل أظهر تلك الدلائل : 1 - الوحي : وهو واسطة اتصال الأنبياء بالسماء ، وإمدادهم الدائم بمادة النبوة ، والوحي على أشكاله المختلفة - من رؤيا صادقة ، أو نداء من وراء حجاب ، أو نزول الملك - له آثاره الظاهرة التي لا تخفى على العقلاء وإن جحدها غيرهم ، إذ سيجد الناس من النبي تشريعا جديدا ونبأ جديدا لم يعرفوه من قبل ، ولم يسمعوا بمثله عن نبيهم رغم معيشتهم معه ومخالطتهم إياه * ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) * [2] . ثم إن في نزول الوحي دلالة أخرى يجدها الناس ظاهرة على النبي أثناء تلقيه الوحي ، إذ تمتلكه حالة لم تعرف في غيره على الإطلاق ، ولم يعهدها هو نفسه إلا في هذه الأثناء . فمما صح عن نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أنه كانت تأخذه الغشية عند هبوط