الغريب أن تكون الأحاديث قد رويت بالمعنى والمسلمون أحرص عليها من أي كلام آخر ، ويقال بعد ذلك : إن هذه الخطب المنمّقة للإمام عليّ ، فضلا عن شيوع كلمات في هذا الكتاب لم تظهر إلَّا في زمن المتكلَّمين ، والذي أرجحه أنّ نهج البلاغة من تأليف الشريف الرضي ، والمغفل هو ابن أبي الحديد ، لأنّه يعتقد أنّ ما يشرحه خطب للإمام علي ، ولذلك يتكلَّف في شرحه ويستطرد استطرادات لا معنى لها » [1] . وأقل ما يقال في هذا القول : التسرّع إلى الحكم من دون نظرة فاحصة إلى أسلوب الرضي في جمع نهج البلاغة ، ولو كان صادرا عن متعصّب لكان التعصب عذرا له ، دون رجل علماني يتّخذ الموضوعية في البحث شعارا ، ويمكن تلخيص كلامه في النقاط التالية : 1 - ان ما رواه مثل الطبري والبلاذري يمكن قبوله والقول بصحة نسبته إليه . 2 - ان الأحاديث قد رويت بالمعنى والمسلمون أحرص عليها من اي كلام آخر . 3 - شيوع كلمات في هذا الكتاب لم تظهر إلَّا في زمن المتكلمين . والتعليق على هذه النقاط باختصار : 1 - ان مثل الطبري والبلاذري يمثلان محرّرا الأخبار في العهد الأموي والحكم العباسي ، ولا يمثلان وجهة النظر الشيعية التي كانت تعتبر أقلَّية ، فكيف يعتمد عليهما في هذا المجال ويعتبر الحكم القائم ممثلا للأقلية المحكومة 2 - ان الأحاديث فيها ما رويت بالمعنى ، وهي الأكثر ، وفيها ما رويت بالنص وخاصة الخطب والرسائل والحكم ، فإنّها انما تعمل لأجل أن تنقل من الحاضر للغائب ، والحرص على النص فيها أكثر من غيرها . 3 - ان شيوع كلمات بمعانيها الاصطلاحية في عصر متأخّر لا يستلزم عدم
[1] نقل ذلك د . سلمان هادي طعمة في مقاله : « تأثير نهج البلاغة » المنشور في مجلة العرفان ص 523 نقلا عن مجلة العربي الكويتية ، العدد 207 ، في مقال بعنوان « تعليقات وأقوال مأثورة لطه حسين » بقلم د . دسوقي العدد 207 ( صفر 1396 شباط 1976 ) .