قاعدة يشقّ تفهّمها ، بل هي نصائح حكيمة بعيدة عن الالتواء الفلسفي والتعقّد النظري . وإنما يخالجنا الشك فيه من حيث طوله وإسهابه لاعتبارات نوردها لك : أ - ان الخلفاء قبله عهدوا إلى ولاتهم فلم يؤثر عنهم ذلك الاسهاب في عهودهم . ب - ان الإمام نفسه ولَّى محمد بن أبي بكر الصديق على مصر قبل الأشتر النخعي ، وولَّى قيس بن سعد بن عبادة عليها قبل ابن أبي بكر ، وولَّى غير هؤلاء على الأمصار فلم يعهد إليهم بمثل هذه العهد ، بل إنّ عهده لابن أبي بكر عشرة أسطر . ج - إن مالك بن الحارث الأشتر الذي كتب له ذلك العهد ، كان عضد الإمام وساعده في صفّين ، وقد قدّمنا أنه كان قائد الميمنة ، وقد أبلى في الحرب بلاء حسنا ، وكان يستحث من همّة الجيش كلما آنس منهم مللا وسآمة . وفحوى ذلك أنه كان موضع ثقة تامة من الإمام ، ومن كان كذلك فليس بحاجة إلى ذلك القدر من الإسهاب في الحيطة والحذر وتأكيد المواثيق ، وكيف يسهب هذا الاسهاب فيكتب له عهدا في مائتين وخمسة وسبعين سطرا » [1] . ونعم ما أجاب عن قوله سيد مشايخنا الشهرستاني بقوله : « إنّها ليست بأعجب من رواية المعلَّقات السبع والقصائد الأخرى من الأوائل ، ومن الخطب والمأثورات الضافية التي رويت عن النبي المصطفى صلَّى اللَّه عليه وآله وعن غيره ممن تقدم عليه زمانه أو تأخر ، في حين أن العناية بالحفظ والكتابة كانت في زمن الراشدين أهم وأعظم مما قبله ، ونعتوا ابن عباس بأنّه كان يحفظ القصائد الطوال لأول مرة من سماعها ، وكان مثله في عامة العرب كثيرا ولا يزال حتى اليوم ، والاعتناء بحفظ خطب الإمام كان أكثر » [2] . الشبهة الرابعة - التعريض ببعض الصحابة وقد أصاب سيد مشايخنا الشهرستاني ( ت / 1386 ) بعنوانها : « سر الشك في نهج البلاغة « ، وهي الخطبة الشقشقية التي فيها تعريض ببعض الصحابة . وقد حرّر الأستاذ
[1] ترجمة علي بن أبي طالب : 229 - 231 . [2] ما هو نهج البلاغة : 52 .