ويجب أن يشعر الفلاح بأنه سيد أرضه وأن لا أحد يمكن أن ينازعه في هذه السيادة . وحيث كان من اللازم مراعاة حال الفلاح وتمكينه من أن يحيا على مستوى لا يشعر معه بالاضطهاد والاستغلال . وحيث كان من اللازم إشعاره بأنه سيد أرضه . لهذا وذاك يجب أن يكون مسموع الكلمة فيما يتصل بأرضه وبقدرتها على الانتاج ، فإذا اشتكى ثقل الخراج لعدم تناسبه مع انتاج الأرض ، أو شكى آفة ألمت بالأرض فأثرت على انتاجها ، أو ذهبت به فلذلك لا يستطيع دفع ما فرض عليه من المال ، إذا شكى شيئا من هذا كان من اللازم ان يسمع كلامه فيوضع عنه من المال مقدار ما يصلحه . وقد يذهب الظن بالبعض إلى أن هذه المعاملة تؤثر على مالية الدولة وتضعفها ولكن هذا الظن بعيد عن الصواب ، لأن هذه الوضيعة التي يحصل عليها الفلاح تعود على الدولة نفسها بفوائد عظيمة تزيد في ازدهارها ورفاهيتها . وذلك لان هذا المال يصرف في إصلاح الأرض وعمارتها ، ويصرف في سد حاجات الفلاح نفسه من مسكنه وملبسه ومرافق حياته الأخرى ، فيكون في ذلك تزيين للبلاد بما أتاح لها هذا المال من العمران ويكون في ذلك شعور هذه الطبقة بالطمأنينة والرضى مما يدفعها وهي أكثر طبقات المجتمع عددا وأعظمها انتاجا ، إلى المحافظة على الحكم القائم ، والدفاع عنه لأنه يحفظ لها مصالحها . ولدينا شاهد من التاريخ على هذا ، فقد كان نابليون الثالث ( إمبراطور فرنسا ) ممن حدبوا على هذه الطبقة ورعوا مصالحها ، وحموها من عتاة الظلمة ، وأشعروا الفلاح الفرنسي انه سيد أرضه وان أمرها منوط به وحده ، وقد كان موقفه هذا مما دفع بالفلاحين إلى أن يخصوه بتأييدهم دائما لما لمسوه من رعايته لمصالحهم وفهمه لموقفهم .