وما بين أيدينا من هذا العهد ليس تمامه . لا ، إنما قطع منه اختارها الشريف الرضي رحمه الله . وليته أثبته كله ، إذن لزدنا بصرا بآراء الامام في هذا الموضوع ، ولكن ماذا نصنع والشريف لم يختر إلا البليغ من كلامه عليه السلام . ويحسن بنا أن ننوه ، ونحن على أعتاب البحث عن الطبقات الاجتماعية في نهج البلاغة ، بان التقسيم الطبقي الذي ذكره الامام يقوم بالدرجة الأولى على الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها كل طبقة ، وهناك تقسيم آخر يتم في داخل الطبقات هو التقسيم على أساس المثل الاعلى ، والتقسيم الأول لا يستتبع حكما تقويميا على الشخص المنتسب إلى طبقة ما يجعله في القمة أو ينحدر به إلى الحضيض . ان التقسيم الذي يستتبع الحكم التقويمي ، أعني الذي يحدد قيمة الشخص ، إنما هو التقسيم الثاني ، فالانسان الذي يستغل إمكاناته في سبيل خير المجتمع هو في القمة أما الانسان الذي يتخذ هذه الامكانات سبيلا إلى العيث والافساد وإضرار المجتمع فذلك شخص يحتل مركزه في الطبقات السفلى . وإذن فترتيب الطبقات في التقسيم لا يعني ترتيبها في القيمة ، فيكون الجنود هم الطبقة العليا ويكون المعدمون هم الطبقة السفلى ، وتكون قيمة ما بينهما على هذا الترتيب قربا من الجنود وبعدا عنهم . لا ، فقد عرفت ان الامام لم يراع قيمة كل طبقة حين قدمها واخرها ، وإنما راعى الخدمات الاجتماعية التي تقوم بها ، أما القيمة فلا تقاس إلا بالتقوى . ونقدم بين يدي بحثنا هذا ملاحظة لها خطرها ، وهي : ان هناك طبقات ( فئات ) افترض الامام وجودها وتحدث عنها كأهل الخراج ، والتجار والصناع ، والمعدمين ، وهناك طبقات لم يفترض وجودها ، وإنما تكلم رأسا في كيفية إنشائها وتكوينها ، فإلام تشير هذه الملاحظة ؟ ان ما تشير إليه هذه الملاحظة ، فيما أرى ، أمر طريف جدا ومعجب حقا ،