تنطوي على حقارات وقبائح كثيرة ، ثم يكون ختامها الموت ، وهو حتم علينا سواء أرضيناه أم كرهناه . وإذن فهؤلاء الذين يحسبونها مسالمة وادعة دائما ، ويعتبرونها جميلة عظيمة دائما ، ويعتبرونها حلوة سائغة دائما ، مخدوعون إذ لا واقع لما يحسبون ، فهي في واقعها خليط من السعادة والشقاء ، والقلق والاطمئنان ، والشدة واللين . والإمام عليه السلام يبتغي في هذا اللون الوعظي أن يعرفهم بواقعها ليزهدوا فيها . والزهد الذي يريده الامام غير الزهد في وعي العامة من الناس . فالزهد في وعي هؤلاء لا يعدو أن يكون موقفا سلبيا من الحياة ، يشل في الانسان إمكانات الخلق والابداع عنده ، ويحيله إلى إنسان متذائب واهن . وكلمة ( زاهد ) في وعي هؤلاء تستدعي صورة كائن أقل ما يقال فيه أنه عالة على المجتمع . أما الزهد عند الامام فهو تعبير آخر عن رأيه السابق في الدنيا والآخرة . قال عليه السلام في صفة الزهد : ( أيها الناس : الزهادة قصر الامل ، والشكر عند النعم ، والورع [1] عند المحارم ، فإن عزب ذلك عنكم [2] فلا يغلب الحرام صبركم ، ولا تنسوا عند النعم شكركم ) [3] .
[1] الورع . الكف عن الشبهات خوف الوقوع في المحرمات ، وأيضا الكف عن المعاصي مع القدرة عليها وترك الشبهات . [2] فإن عزب . أي بعد . أي فان عسر عليكم أن تقصروا آمالكم ، وتكونوا في الزهادة على الكمال المطلوب فلا يفوتكم التحلي بفضيلة شكر النعم ، والصبر عند المحرمات . [3] نهج البلاغة ، رقم النص 79 .