من مستمتع خلاقهم [1] ومستفتح خناقهم [2] ، أرهقتهم [3] المنايا دون الآمال ، وشذ بهم عنها تخرم الآجال [4] ، لم يمهدوا في سلامة الأبدان [5] ولم يعتبروا في أنف الاوان [6] . . أو لستم أبناء القوم والآباء ، وإخوانهم والأقرباء ؟ تحتذون أمثلتهم ، وتركبون قدتهم [7] ، وتطأون جادتهم [8] ؟ فالقلوب قاسية عن حظها ، لاهية عن رشدها ، سالكة في غير مضمارها ، كأن المعني سواها [9] ، وكأن الرشد في إحراز دنياها [10] ) . وهكذا يقرر عليه السلام صلة التاريخ بهم ، وأنه ليس غريبا عنهم فهو تأريخ آبائهم وأمثالهم . ويقرر أيضا أن هذا التاريخ مشلول عن عمله ، فهو لا يقوم بدوره في صياغة حياتهم ، لأنهم لا يزالون ينتهجون نفس الخطة التي انتهجها من قبل آباؤهم ، فكأن الدنيا عندهم غاية كل شئ ومنتهى كل غاية .
[1] الخلاق : النصيب الوافر من الخير . [2] الخناق : حبل يخنق به . كناية عن أنهم لم يغتنموا الفسحة في العمر . [3] أرهقتهم : أعجلتهم . [4] انقضاء آجالهم قطعهم ( شذ بهم ) عن بلوع آمالهم . [5] لم يمهدوا . أي لم يهيأوا أنفسهم للقاء الله تعالى ، وهم في حال السلامة . [6] أمر أنف - بضمتين - أي أمر جديد مستأنف لم يسبق به قدر . [7] القدة : الطريقة . [8] تطأون جادتهم : تسيرون على سبيلهم ، بلا انحراف عنهم في شئ . [9] كأن المعني : كان المقصود بالتكاليف الشرعية سواها . [10] نهج البلاغة ، رقم النص 81 .