فهو وزيره ونجيبه ، وأمين سره ، وقائد جيوشه ، ومنفذ خططه ، ومعلن بلاغاته . . هذه المنزلة الفريدة التي لم يكن أحد من الصحابة يتمتع بها أعدته إعدادا تاما لمهمة الحكم . وقد كان النبي يبتغي من وراء إناطة هذه المهام كلها به إعداده للمنصب الاسلامي ، ليصل إليه وهو على أتم ما يكون أهلية واستعدادا . ولقد غدا من نافلة القول أن يقال أنه عليه السلام هو الخليفة الذي كان يجب أن يلي حكومة النبي في المجتمع الاسلامي . وإذا لم يقدر له أن يصل إلى الحكم بعد النبي فإنه لم ينقطع عن الحياة العامة ، بل ساهم فيها مساهمة خصبة ، فقد كان أبو بكر ثم عمر ومن بعدهما عثمان لا يسعهم الاستغناء عن آراءه في السياسة والقضاء والحرب ، وخاصة في خلافة عثمان فقد كان فيها على أتم الصلة بالتيارات التي تمخر المجتمع الاسلامي ، لكن عثمان لم ينتفع كثيرا بالتوجيه الذي كان الامام يقدمه إليه لان بطانة متعفنة كانت تحيط بهذا الخليفة . فأنت ترى أنه لم يأب الحكم لأنه لم يأنس من نفسه القوة عليه ، وإنما أباه لأمر آخر : لقد كان يرى المجتمع الاسلامي وقد تردى في هوة من الفوارق الاجتماعية التي ازدادت اتساعا بسبب السياسة التي اتبعها ولاة عثمان مدة خلافته . ولقد كان يرى التوجيهات الدينية العظيمة التي عمل النبي طيلة حياته على إرساء أصولها في المجتمع العربي قد فقدت فاعليتها في توجيه حياة الناس . وكان عليه السلام يعرف السبيل الذي يرد الأشياء إلى نصابها ، فإنما صار الناس إلى واقعهم هذا لأنهم فقدوا الثقة بالقوة الحاكمة التي تهيمن عليهم . فقدوا الثقة بهذه القوة كناصر للمظلوم وخصم للظالم ، فراحوا يسعون إلى إقرار حقوقهم