إذا استوى وجود الانسان على هذا النحو كان بعيدا عن التقوى ، وكان واقعه حائلا بينه وبين التقوى . وقد قلنا إن وجه الفائدة في جعل التقوى مثلا أعلى للحياة هو أن يكون مفهوم الطبقة الذي يستتبع حكما تقويميا لطائفة من الناس منبثقا من التقوى ، بدلا من أن ينبثق هذا المفهوم من الاقتصاد أو الحرب ، وبذلك تكون الطبقات ظاهرة اجتماعية تعود على المجتمع بالخير ، بدلا من أن تكون تعبيرا حادا عن التفسخ الاجتماعي . فإذا عدنا لنرى واقع المجتمع الاسلامي في الوقت الذي ولي فيه الامام الحكم ألفيناه مجتمعا مريضا منحرفا فقد الدين قوته الدافعة عندهم ، واستشرت الروح القبلية فيهم ، وعاد المثل الاعلى للحياة عندهم المال والقوة . ويقتضينا فهم هذا الواقع أن نلم بالأسباب التي أدت إليه . * * * ولي عثمان بن عفان الخلافة بعد عمر بن الخطاب فكانت خلافته إيذانا بأفول سياسة وبزوغ عهد سياسي جديد . فلقد اتبع عثمان منذ ولي الحكم سياسة خطرة في المال والولايات . فقد طفق يهب خواصه وذوي رحمه ومن يمت إليه بنسب أو سبب الأموال العظيمة ويخصهم بالمنح الجليلة ، ويحملهم على رقاب الناس . وولى على البلدان الاسلامية شبانا من بني أمية ، لا يحسنون الحكم ولا السياسة ، ذوي روح تسلطية عاتية ، لم ينل منها الاسلام شيئا مذكورا . وهكذا كونت هذه الطبقة طبقة أريستوقراطية من الأغنياء المترفين الذين لا تزال تعتمل في صدورهم القيم البدوية الجاهلية .