وضرورته ، والنزعة القبلية وعقابيلها ، وشغب الغوغاء ونتائجه ، ودعامات المجتمع ومقوماته ، والطبقات الاجتماعية وآليتها - كل ذلك خصه الامام بمزيد من البحث والتفكير ، وطبق النتائج التي اهتدى إليها على المجتمعات الاسلامية ، ولولا أن أعداءه الأشرار شغلوه عن أن يفرغ لمهام العمل السلمي لبادهنا من أعماله شئ عظيم . وإن ما بين أيدينا من كلامه عليه السلام في المجتمع ليدل دلالة واضحة على أنه راصد اجتماعي من الطراز الأول ، وإن تقسيمه للطبقات الاجتماعية وتعريفه بآلياتها ليدخل في باب الحدس العبقري والالهام . ويقينا لو أن الشريف الرضي رحمه الله حفظ لنا كل ما وقع إليه من كلام أمير المؤمنين ، ولم يؤثر الفصيح الباذخ وحده لانتهى إلينا من ذلك شئ عظيم . ولو ضم ما ضاع من كلامه إلى ما حفظ إلى زمان الشريف لانتهى إلينا من ذلك شئ أجل وأعظم خطرا وقدرا ( 1 ) . وسيكون مركز البحث في حديثنا هذا هو الطبقات الاجتماعية في نهج البلاغة . وقبل أن نأخذ سبيلنا إليه يحسن بنا أن ندخل في حسابنا أمرا بالغ الأهمية بالنسبة إلى بحثنا هذا ، فلقد قلنا آنفا إن الامام لم يقصد إلى وضع أصول علم جديد ، وإنما فكر - كحاكم عادل - في شؤون المجتمع وخرج من تفكيره
1 - صرح الشريف الرضي رحمه الله في مقدمة ( نهج البلاغة ) بأنه استجاب لرغبة الأصدقاء والاخوان في تأليف ( كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام . . فأجبتهم إلى ذلك . . فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثم محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم والأدب ) .