ومما يلفت النظر أن المذاهب السنية الأربعة كانت لها كرسي الدراسة في بغداد ، وأن مذاهبهم تدرس في المساجد بشكل رسمي ، عدا مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولما جاء البويهيون جعلوا المذهب الجعفري هو المذهب الخامس ، له الحرية المطلقة في بث أفكاره وفتاواه ، عبر علماء الشيعة ، ومن أعلى المنابر في المدارس والجوامع التي خصصت للتدريس . وللاهتمام المتزايد من قبل معز الدولة البويهي ومن جاء بعده ، فقد خصصوا رواتب منتظمة للعلماء وأهل العلم ، وأغدقوا عليهم بالأموال ، وواصلوهم بالعطاء والمنح والهدايا والمكافئات حتى ازدهر التشيع في سنيهم ، وامتد إلى المناطق المجاورة لبغداد . من مظاهر انتعاش الفكر الشيعي آنذاك هو إقدام معز الدولة البويهي على تعزيز مكانة الشيعة بين المذاهب ، فأخذ ببناء القباب على الأضرحة المقدسة للأئمة عليهم السلام ، وشجع الناس في الذهاب إليها ، وزيارة المشاهد والعتبات ، كما أعلن يوم العاشر من المحرم يوم حزن ومصيبة وعزاء ، وألزم الناس في ذلك اليوم بتعطيل محالهم ، كما جعل يوم 18 من ذي الحجة يوم فرح وسرور ، لأنه فيه نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا خليفة على المسلمين من بعده ، وهو يعرف بيوم الغدير ، فكانت تنثر فيه الورود والعطور ، وتبذل للناس الحلوى والأطعمة ، وغير ذلك من مظاهر الابتهاج والفرح . والذي يمكن أن نقوله هنا : إن التشيع استمر على هذا النمط في أيامه الذهبية إلى سنة ( 448 ) ، حيث حلت فتنة كبرى بين السنة والشيعة ، أدت إلى حرق محلة الكرخ ، وقتل الآلاف من الشيعة الأبرياء ، ثم سعى الحاقدون إلى قتل الشيخ الطوسي ، غير أن الشيخ هاجر إلى النجف ، وعلى أثر ذلك أحرق كرسيه الدراسي ،