قلت : ألك فم ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال : أذق به الطعم ، قلت : ألك اذن ؟ قال : نعم ، قلت فما تصنع بها : ؟ قال : أسمع بها الصوت ، قلت : ألك قلب ؟ قال نعم : قلت فما تصنع به ؟ قال : أميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس ، قلت : أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب . فقال : لا ، قلت : كيف ذلك وهي صحيحة سليمة ، قال : يا بني ، إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك ، قال هشام : فقلت له : فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح ، قال : نعم ، قلت : لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح ، قال : نعم ، فقلت : له يا أبا مروان ، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك ؟ قال : فسكت ولم يقل لي شيئا ، ثم التفت إلي فقال لي : أنت هشام بن الحكم . فقلت : لا ، قال : أمن جلسائه ؟ قلت : لا ، قال : فمن أين أنت ؟ قال : قلت : من أهل الكوفة . قال فأنت إذا هو ، ثم ضمني إليه ، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت ، قال - يونس - : فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال : " يا هشام من علمك هذا ؟ " قلت : شئ أخذته منك وألفته ، فقال : " هذا والله مكتوبا في صحف إبراهيم وموسى " [1] . في هذا الحديث جملة من النكات المهمة ، منها : أولا : سؤال الإمام الصادق هشام بن الحكم أن يقص عليه مناظرته مع عمرو بن عبيد ، والامام غني عن هكذا مناظرة ، وإنما أراد تنبيه أصحابه - من حضر منهم ، ومن غاب عنه - أن يقتدوا بأسلوب الحق والجدل النزيه ، ويتعلموا من هشام
[1] أصول الكافي : ج 1 كتاب الحجة ، باب الاضطرار إلى الحجة ، ح 3 ص 169 .