الطبقات الاجتماعية ، حتى أن ظهر الفقر والبؤس والشقاء على وجوه عامة الناس ، وارتفعت الأسعار ، وشكا الناس من مظاهر الغلاء ، لأنه كان على حساب الفقراء ، أما الأغنياء فهم المنعمون في كل آن . وبهذه المناسبة قال أبو العتاهية الشاعر ، متذمرا : من مبلغ عني الإماما * نصائحا متوالية إني أرى الأسعار أسعار * الرعية غالية لقد صحب الغلاء تفشي الأمراض الاجتماعية ، والتسيب في الأخلاق ، فكثرت البطالة في بغداد بين صفوف العامة ، حتى ألجأهم الفقر والعوز ان يتجولوا في الأسواق بحثا عن لقمة العيش ، عن طريق النهب والسلب والاعتداء ، خصوصا جماعات من العيارين ( العراة ) الذين فشي أمرهم في بغداد ، في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث ، وكانوا يسيرون عراة الأجسام ، وحتى قيل ، ان الفقراء وذوي الحاجة قد ضاقت عليهم بغداد بما رحبت ، ولم يستطيعوا العيش فيها [1] . ثم انتشرت ظاهرة السكر والعربدة ، ومعاقرة الخمور والمسكرات ، وفتحت حانات عديدة في بغداد وباقي الأمصار ، فمن أبرز الحانات في بغداد ذلك الوقت : حانة طبزناباد ، وحانة قطربل ، وحانة الشط [2] ، ناهيك عما يجري في قصور الخلفاء والامراء من لهو وفسق ومجون ، فليالي هؤلاء متلبدة بالفحش والدنس . ثم برزت ظاهرة الغناء والمغنين ، وكثرت الجواري ، وتزايد عدد الغلمان في البلاط ، حتى أن الشعراء تغزلوا بهذين العنصرين ، وما أكثر شعرهم في ذلك .
[1] مسالك الابصار للعمري : 1 / 395 . [2] المصدر السابق .