كالشعراء والمغنين والمغنيات فالحديث عنه ذو شجون ، فقد بلغت من الكثرة حدا لا يمكن تصوره ، بل الحق أن يرمى هؤلاء العباسيين بالاسراف الذي قد يبلغ حد الهوس [1] . ولا نختلف في أن ذلك كله كان بهدف تحقيق بعض الأغراض السياسية ، والأطماع الخاصة التي ينويها الحاكم العباسي . فالمأمون في سنة 213 ه ولى أخاه المعتصم الشام ، وابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم ، ومنح لهما ولعبد الله بن طاهر مليونا ونصف المليون من الدنانير ، وفي سنة 218 ه منح المأمون لمحمد بن عباد بن المهلب ثلاثة ملايين درهم ، وأعطى جنده وحاشيته في دمشق عشرين مليون درهم ، وأعطى وزيره الحسن بن سهل عشرة ملايين درهم . وأعطى المعتصم للأخشيد قائده بعد ما هزم بابك الخرمي عشرين مليون درهم . وأعطى الواثق سنة 231 ه وصيفا التركي الخادم 75 ألف درهم بعد ما قضى على ثورة الأكراد في الجزيرة . ثم ظهر الترف والاسراف واضحا في قصور الخلفاء العباسيين ، كالذي بناه المنصور ، وهو قصر الذهب الذي جلب إليه كل نفيس من الرخام ، والفرش ، والديباج ، والأعمدة المرصعة بالذهب والفضة . وهكذا بنى الرشيد قصره على ضفاف دجلة ، وبالغ في تجميله والبذل عليه . وهكذا المأمون ، والواثق في سامراء بنى عدة قصور ، منها القصر الهاروني . وقد حذا الامراء والوزراء حذو أسيادهم ، فهذا عيسى بن علي بن عبد الله ،
[1] العالم الاسلامي في العصر العباسي لحسن أحمد محمود : ص 214 .