وأقول : لو لم يوجد في القرآن ما يدل على فعل العبد ولا آية لكان في صريح العقول عن ذلك كفاية ، ويجب تأويل مخالفها لأن الله تعالى أنزل القرآن حجة لنبيه ، ولو انتفى فعل العبد أو حتمه الرب لكان محجوجا به ، بأن يقول الكافر : ( كتابك شاهد لي بعدم قدرتي فاللوم لازم لك ومنتف عني ) ونحن نورد طرفا من الآيات التي تمسك الخصم بها ونشير إلى شئ من تأويلها . منها ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( 1 ) ) قالوا : المراد بالحسنة الخصب ، وبالسيئة الجدب ولهذا قال ( أصابك ) ولو أراد الفعل قال ( أصبت ) لأنك تصيب الحسنة ، أما الخصب والجدب فإنه يصيبك لا تصيبه . قلنا : سلمنا أن المراد الخصب والجدب ولكن لا يضرنا وقد قال مقاتل : ما أصابك من المكروه فمن نفسك لأنك وليت وجنيت . وعلى قولنا : فما أصابك من سيئة فمنك لأنك السبب فيها . وقد قال الله ( 2 ) ( ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) ولو كان الكل منه تعالى لم يصح أن يقول ( من نفسك ) ولبطلت القسمة المذكورة . وقد ذكر أبو العالية وأبو القاسم وهما من أئمة المفسرين أن المراد بالحسنة الطاعة وقعت بتوفيق الله وترغيبه وبالسيئة المعصية وقعت بخذلانه للعبد على وجه العقوبة له . قولهم : لو أراد الطاعة والمعصية لقال : ( أصبت ) . قلنا : ما أصابك قد أصبته ، قال السخاوي في شرح الشاطبية في تفسير : فتلقى آدم من ربه كلمات ) ( 3 ) ما تلقيته فقد تلقاك ، ومن الأفعال ما يستوى فيه الإضافة فتقول : نالني كذا ونلت كذا ، قال شاعر : إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخطا * أصبت جميلا أو أصابك جاهل