وأما الخطباء والفصحاء ، فناهيك بكلامه في نهج البلاغة وكتاب الخطب و غيره في الأصول من خطبته في التوحيد وغيرها ، وفي الفروع من أحكامه التي لا يمكن أحد أن يفوه بنكيرها ، ومن نظر في العلوم وجد أسها [1] عليه ، ورآه رأسها المنقادة إليه ، وكل من حصل علما فمنه احتذى وابتدى ، وبه اقتدى واهتدى كل جليل من بحره اغترف ، وبدقيق علمه اعترف ، فقد قيل لعبد الحميد كاتب بني أمية لما كتب إلى أبي مسلم كتابا بجملة أجمل فيها : من أين لك هذه البلاغة ؟ قال : من حفظي لألف خطبة لأصلع بني هاشم . وقد دهش الجاحظ الذي هو علامة الدهر في مفردات كلماته الحكمية ، و اعترف بأنها حوت متفرق المعاني ، واشتملت على أحسن المباني ، ومن رزق الهداية رآى كلامه منضودا في عقد الألفاظ الرائقة ، والأساليب الفائقة ، لا بالمستعمل الخلق ، ولا بالمشكل الغلق ، بل أشهى إلى النفوس من الخرد الحسان ، وأعلق بالقلوب من تعلق الجزع بالأمان ، فإن وجدت شاردا منسوبا إلى غيره فبتفضيله وإن رأيت واردا مضافا إلى سواه فلا تعرض عن تبجيله ، ومن بلغ في الهداية إلى هذا المرتبع ، كان أحق بقوله ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ) [2] فوجب اتباعه بعد النبي بلا فصل ، لاختصاصه بعظيم الخصل ، شعر رواه ابن جبر في نخبه عن الصادق عليه السلام : محال وجود النار في بيت ظلمة * وأن يهتدي حيران في ظل حاير فلا تطمعوا في العدل من غير أهله * ولا في هدى من غير أهل البصاير قال السيد الرضي : كان عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة و مولدها ، ومنه ظهر مكنونها ، وعنه أخذ قانونها ، وأنشد بعضهم في المعنى : وخوطب بالوزارة من إليه * تناهي الفضل واجتمع الفخار منيع لا يطاوله زمان * وفي لا يضام له جوار خطيب لا يعثره خطاب * بليغ لا يجاوزه اختصار