نزول جبرئيل إلى الأرض ، لزم أن لا يكون نزل على النبي وهو خلاف إجماع الولي والغوي . قالوا : علي لم يبلغ غرضا بتحكيم عبد الرحمن في الشورى ، وتحكيم معاوية للأشعري ، وخروج علي في حرب الجمل والخوارج ، فلو [ كان ] يعلم غيبا لم يفعل من ذلك شيئا . قلنا : فالنبي أخبر بالغيب إجماعا مع أنه لم يبلغ غرضا إذ غرضه كون الناس ملة واحدة ، ولم يأخذ سوى جزيرة العرب ، فإن دل ذلك على عدم الإمامة دل هذا على عدم النبوة ، بل وعلى عدم الإلهية ، فإن الله تعالى غرضه إذهاب الكفر ، ولم يحصل بالكلية ، والخلفاء الثلاثة لم يبلغوا كل غرض . وقد أخرجوا لعمر حديث سارية وهو من علم الغيب ، والاعتذار عن التحكيم قد عرف في موضعه من طرقهم . تذنيب لذلك ، أخذنا معانيه من شرح نهج البلاغة لميثم البحراني : النفس الانسانية إذا فرغت من علائقها من الحواس الظاهرة ، رجعت بطبعها إلى جناب ربها ، فيحصل لها من الصور هناك من هو أليق بها من أحوالها ، ثم ترتسم في المخيلة وتنحط إلى الحس المشترك ، فتصير كالمشاهدة ، هذا حالها في منامها و أما حال يقظتها فمتى كانت قوية لم يكن اشتغالها بتدبير بدنها عايقا لها عن ملاحظة مباديها ، والاتصال بحضرة ربها ، فيفيض من جنابه صورا عليها ، ثم ترتسم في مخيلتها حتى تصير كأنه مشاهد لها . إن قيل : إخبار علي بالمغيبات إنما هو بعلم علمه النبي ولو علمه غيره لكان مثله وحينئذ لا مزية له ، ولهذا لما وصف الأتراك ، قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت علم الغيب . فضحك وقال : إنما هو تعلم من ذي علم ، وإنما الغيب علم الساعة وما عدده الله بعدها ، ونحوه هو علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، وما سواه فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، ودعا لي بأن أعيه . قلنا أما القسم الأول فمسلم اختصاصه بالله وأما المدعى علمه ، فإن النفس القدسية لها استعداد لانتقاش الأمور الغيبية فتتأهل لإفاضة جود الله ، والاختصاص