وأما العبادة فكان أكثر الناس صلاة وصياما ، ومنه تعلموا الأوراد ليلا حتى بصفين ليلة الهرير وضع له بين الصفين نطع فصلى عليه ، والسهام تقع بين يديه ، وتمر على صماخيه ، فلا يرتاع لها ، ولا ينتقل عنها ، ومن تأمل مناجاته لربه ، وخشوعه لهيبته ، فهم أنها خرجت عن قلب مخلص ، ولسان محق . وأما القرآن فاتفقوا على أنه كان على عهد النبي يحفظه وقالوا ما تأخر عن بيعة أبي بكر إلا لجمعه ، والقراء يرجعون إليه ، فإن أبا عمرو وعاصم وغيرهما أخذوا القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وهو تلميذه عليه السلام . وأما قوة الرأي فكان أسد الناس رأيا ولقد أشار على عثمان بصلاحه لو قبل ذلك ما قتل ، وإنما قال أعداؤه : لا رأي له . لأنه كان مقيدا بالشريعة دون غيره وقد قال : ( لولا الدين لكنت أدهى العرب ) . وأما السياسة فكان خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمه في عمل ولاه ، وجبه بكلامه عقيلا أخاه ، وحرق بالنار قوما وصلب آخرين ، وقطع قوما ونقض دور آخرين ، ومن أكثر سياسته حرب الناكثين والقاسطين والمارقين . وأما سبقه إلى الاسلام ، فمل يقل بخلافه إلا النادر من الأنام ، ومن وقف على كتب الأحاديث والسير ، علم سبقه إلى سيد البشر ، وسنأتي بطرف منه في مكان آخر . قال ابن أبي الحديد : ذهب إلى سبقه الواقدي والطبري ورجحه ونصره صاحب كتاب الاستيعاب ، ولم يخالف في ذلك إلا الأقلون ، وهذا راجع إلى خطيب دمشق وابن أبي الحديد من كلاميهما لمعناه لما عقلنا لمعناه .