وسر ذلك أن الناس مختلفون متباينون ، ليس بينهم اثنان يتفقان في فكر أو عاطفة أو ذوق أو عادة أو عمل ، حتى التؤمين ، إلا من التشابه القريب أو البعيد من غير اتفاق حقيقي ، كاختلافهم في أجسامهم وسحنات وجوههم ، وتشابههم في ذلك . بل الناس مختلفون في كل شئ من دقائق أجسادهم وأخلاقهم ونفوسهم وعاداتهم فلم يتفق لشخصين أن يتفقا تحقيقا حتى في بصمة الأصابع ، حتى قيل إن كل فرد من الإنسان نوع برأسه . وعليه ، فيستحيل أن تتفق أهل بلدة واحدة على حكم واحد أو عمل واحد ، فضلا عن أمة كبيرة كالأمة الإسلامية على توالي الزمان . وبالأخص إذا كان الحكم مسرحا للعواطف والأغراض الشخصية والتحيزات كالحكم في الزعامة العامة . ومن هذا نستنتج أن الرأي العام الحقيقي غير موجود أبدا ، بل يستحيل وجوده لأية أمة في العالم ، ومن خطل الرأي أن يطلب الإنسان تكوين الرأي العام ، وتوحيد اختيار الأمة بأسرها لأمر من الأمور ، على أن محاولة ذلك يستحيل أن تسلم من منازعات دموية واضطرابات شديدة إذا كان تكوينه يراد لأمر ذي شأن ، إلا أن يكون هنا حاكم يفصل بين المتنازعين بماله من القوة القاهرة لمخالفيه ، كما هو موجود فعلا في الانتخابات الجارية عند الأمم المتمدنة ، فإن تحكيم الأكثرية ذات القوة الطبيعة خير علاج على منازعاتهم في الأمور العامة .